تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا أني تارك سقايتنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا» ورواه محمد بن ثور : عن معمر عن الحسن فذكر نحوه.
وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع فلا بد من ذكره هنا ، قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلا قال : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلىاللهعليهوسلم فسألناه. فنزلت (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ـ إلى قوله ـ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) (١).
[طريق أخرى] قال الوليد بن مسلم حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال : كنت عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم : ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عزوجل (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ـ إلى قوله ـ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢) ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه ، وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢٤)
أمر تعالى بمباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء ، ونهى عن موالاتهم إن استحبوا أي اختاروا الكفر على الإيمان ، وتوعد على ذلك كقوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٦ / ٣٣٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٣٣٦ ، وأخرجه أيضا مسلم في الإمارة حديث ١١١ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٦٩ ، والحديث بهذا اللفظ ليس في سنن أبي داود.