لجنته وخلق هؤلاء لناره وخلق لعذابه وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش ، وقال ابن وهب سألت مالكا عن قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال فريق في الجنة وفريق في السعير.
وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيد الفراء وعن مالك فيما روينا عنه من التفسير (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال للرحمة وقال قوم للاختلاف.
وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره لعلمه التام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس وله الحجة البالغة والحكمة التامة ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين فقال الله عزوجل للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء وقال للنار أنت عذابي أنتقم بك ممن أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها فأما الجنة فلا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة وأما النار فلا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع عليها رب العزة قدمه فتقول قط قط(١) وعزتك» (٢).
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠)
يقول تعالى وكل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين. كل هذا مما نثبت به فؤادك أي قلبك يا محمد ليكون لك بمن مضى من إخوانك من المرسلين أسوة.
وقوله : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) أي هذه السورة قال ابن عباس ومجاهد وجماعة من السلف ، وعن الحسن في رواية عنه وقتادة في هذه الدنيا والصحيح في هذه السورة المشتملة على قصص الأنبياء وكيف أنجاهم الله والمؤمنين بهم وأهلك الكافرين جاءك فيها قصص حق ونبأ صدق وموعظة يرتدع بها الكافرون وذكرى يتذكر بها المؤمنون.
(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٢٢)
__________________
(١) قط قط : أي حسبي.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٥ ، وتفسير سورة ٥٠ ، باب ١ ، ومسلم في الجنة حديث ٣٥ ، ٣٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٤.