وقال ابن جرير (١) في قوله (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) أي من النفقة والطهر والزاد والماء (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) أي عن الحق ، ويشك في دين الرسول صلىاللهعليهوسلم ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) يقول : ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩)
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي ، قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، فقال كعب بن مالك : لم أتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزاة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها ، وإنما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر.
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى (٣) بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز (٤) ، واستقبل عدوا كثيرا فخلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ ـ يريد الديوان ـ.
قال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ما لم ينزل فيه وحي من الله عزوجل ، وغزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال وأنا إليها
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ٥٠٢.
(٢) المسند ٣ / ٤٥٦ ـ ٤٥٩.
(٣) ورّى بغيرها : أي سترها ، وأوهم أنه يريد غيرها.
(٤) المفاوز : بريه وصحراء قليلة الماء.