وقد نبتت ثنيتي. وقال ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحرك ظل مغزل (١) ، وقال مجاهد (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) قال : ما ترى من الدم في حملها ، وما تزداد على تسعة أشهر ، وبه قال عطية العوفي والحسن البصري وقتادة والضحاك ، وقال مجاهد أيضا : إذا رأت المرأة الدم دون التسعة ، زاد على التسعة مثل أيام الحيض ، وقاله عكرمة وسعيد بن جبير وابن زيد. وقال مجاهد أيضا : (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) إراقة الدم حتى يخس الولد ، (وَما تَزْدادُ) إن لم تهرق المرأة ، تم الولد وعظم (٢).
وقال مكحول : الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم ، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها ، فمن ثم لا تحيض الحامل ، فإذا وقع إلى الأرض ، استهل ، واستهلاله استنكاره لمكانه ، فإذا قطعت سرته ، حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى لا يحزن ولا يطلب ولا يغتم ، ثم يصير طفلا يتناول الشيء بكفه فيأكله ، فإذا هو بلغ قال : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ فيقول مكحول يا ويلك : غذاك وأنت في بطن أمك وأنت طفل صغير ، حتى إذا اشتددت وعقلت قلت : هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق ، ثم قرأ مكحول (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) الآية.
وقال قتادة : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أي بأجل ، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم ، وجعل لذلك أجلا معلوما. وفي الحديث الصحيح أن إحدى بنات النبي صلىاللهعليهوسلم بعثت إليه أن ابنا لها في الموت ، وأنها تحب أن يحضره. فبعث إليها يقول : «إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمروها فلتصبر ولتحتسب» (٣) الحديث بتمامه. وقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم ، ولا يخفى عليه منه شيء (الْكَبِيرُ) الذي هو أكبر من كل شيء ، (الْمُتَعالِ) أي على كل شيء (قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) وقهر كل شيء ، فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها.
(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ(١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) (١١)
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه ، وأنه سواء منهم من أسر قوله أو جهر به ، فإنه يسمعه لا يخفى عليه شيء ، كقوله : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧] ، وقال : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) ، قالت عائشة رضي الله عنها : سبحان الذي وسع سمعه
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٢٤٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٢٤٥.
(٣) أخرجه البخاري في القدر باب ٤ ، ومسلم في الجنائز حديث ١١.