وقال الشعبي : حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : قال ابن مسعود : إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ، فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن ، وقال إنما قال الله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) فقال : أتدري ما الأمة وما القانت؟ قلت : الله أعلم ، فقال : الأمة الذي يعلم الخير ، والقانت المطيع لله ورسوله ، وكذلك كان معاذ. وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود ، أخرجه ابن جرير (١).
وقال مجاهد : أمة أي أمة وحده ، والقانت المطيع وقال مجاهد أيضا : كان إبراهيم أمة أي مؤمنا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار. وقال قتادة : كان إمام هدى ، والقانت المطيع لله. وقوله : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي قائما بشكر نعم الله عليه ، كقوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله : (اجْتَباهُ) أي اختاره واصطفاه كقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) [الأنبياء : ٥١] ، ثم قال : (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي. وقوله : (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). وقال مجاهد في قوله : (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي لسان صدق.
وقوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه ، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كقوله في الأنعام : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٦١] ثم قال تعالى منكرا على اليهود.
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤)
لا شك أن الله تعالى شرع في كل ملة يوما من الأسبوع يجتمع الناس فيه للعبادة فشرع تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة واجتمعت فيه وتمت النعمة على عباده ، ويقال : إن الله تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على لسان موسى فعدلوا عنه ، واختاروا السبت لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئا من المخلوقات الذي كمل خلقها يوم الجمعة فألزمهم تعالى به في شريعة التوراة ، ووصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه مع أمره إياهم بمتابعة محمد صلىاللهعليهوسلم إذا بعثه وأخذه مواثيقهم وعهودهم على ذلك ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) قال مجاهد : اتبعوه وتركوا الجمعة (٢).
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ٦٦٠.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٦٦٢.