وكانت كافرة بالله ورسوله ، وقوله (وَمَنْ آمَنَ) أي من قومك (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهر هم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم ، وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا. وقيل كانوا عشرة ، وقيل إنما كان نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وكنائنه (١) الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام ، وقيل بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة وهذا فيه نظر ، بل الظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها فأصابها ما أصابهم كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها ، والله أعلم وأحكم.
(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣)
يقول تعالى إخبارا عن نوح عليهالسلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء ، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوّها ، وقرأ أبو رجاء العطاردي «بسم الله مجريها ومرسيها» (٢) وقال الله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [المؤمنون : ٢٨ ـ ٢٩] ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٢ ـ ١٤] الآية ، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله الملك (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١] ـ الآية ـ (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف : ١٦٧] وقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) [الرعد : ٦] إلى غير ذلك من الآيات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه وقوله : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على
__________________
(١) الكنائن : جمع كنّة ، وهي امرأة الابن أو الأخ.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٤.