(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٦٨)
يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين ، ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، كان هؤلاء (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) أي عن الإنفاق في سبيل الله ، (نَسُوا اللهَ) أي نسوا ذكر الله (فَنَسِيَهُمْ) أي عاملهم معاملة من نسيهم كقوله تعالى : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الجاثية : ٣٤] (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون عن طريق الحق الداخلون في طريق الضلالة ، وقوله : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ) أي على هذا الصنيع الذي ذكر عنهم (خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين فيها مخلدين هم والكفار (هِيَ حَسْبُهُمْ) أي كفايتهم في العذاب (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أي طردهم وأبعدهم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ).
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٩)
يقول تعالى أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم ، وقوله (بِخَلاقِهِمْ) قال الحسن البصري : بدينهم (١) ، وقوله (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أي في الكذب والباطل (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت مساعيهم فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب. قال ابن جريج عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية ، قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم لا أعلم إلا أنه قال : «والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه»(٢).
قال ابن جريج : وأخبرني زياد بن سعد عن محمد بن زياد بن مهاجر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٦ / ٤١٣.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ٤١٣.