وقال ابن جرير (١) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، عن رجل ، عن مروان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء ، فأنزل الله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) ، وقد ورد فيه حديث غريب جدا ، فقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن موسى الجرشي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا عمرو بن قيس ، حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت تصلي خلف النبي صلىاللهعليهوسلم امرأة حسناء ، قال ابن عباس : لا والله ما رأيت مثلها قط ، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا ، يعني لئلا يروها ، وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ، فأنزل الله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (٣).
وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ، وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحداني ، وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرجه مسلم وأهل السنن ، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) في الصفوف في الصلاة و (الْمُسْتَأْخِرِينَ) فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ، ليس فيه لابن عباس ذكر ، وقد قال الترمذي : هذا أشبه من رواية نوح بن قيس ، والله أعلم.
وهكذا روى ابن جرير (٤) عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) الميت والمقتول و (الْمُسْتَأْخِرِينَ) من يخلق بعد (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرا.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧)
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : المراد بالصلصال هاهنا التراب اليابس ، والظاهر أنه كقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن : ١٤ ـ
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ٥٠٩.
(٢) تفسير الطبري ٧ / ٥٠٩ ، ٥١٠ ، وفيه محمد بن موسى الحرسي بدل الجرشي.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١٥ ، باب ١ ، والنسائي في الإمامة باب ٦٢ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٦٨ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٠٥.
(٤) تفسير الطبري ٧ / ٥٠٧.