مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية ، أي ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد الله عزوجل أي شاقه وحاربه وخالفه ، وكان في حد والله ورسوله في حد (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) أي مهانا معذبا ، و (ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) أي وهذا هو الذل العظيم والشقاء الكبير.
(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) (٦٤)
قال مجاهد : يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا هذا ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [المجادلة : ٨] ، وقال في هذه الآية : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) أي إن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به ويبين له أمركم ، كقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ ـ إلى قوله ـ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٢٩ ـ ٣٠] الآية ، ولهذا قال قتادة : كانت تسمى هذه السورة الفاضحة فاضحة المنافقين (١).
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ(٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦)
قال أبو معشر المديني : عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ـ إلى قوله ـ كانُوا مُجْرِمِينَ) وإن رجليه لتسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونزل القرآن ، فقال عبد الله بن عمر أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم تنكبه الحجارة ، وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٦ / ٤٠٨.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٤٠٩ ، ٤١٠.