وسلمان إنما أسلم بالمدينة ، وقال عبيد الله بن مسلم : كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يمر بهما فيقوم فيسمع منهما ، فقال المشركون : يتعلم منهما ، فأنزل الله هذه الآية (١). وقال الزهري عن سعيد بن المسيب : الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فارتد بعد ذلك عن الإسلام وافترى هذه المقالة ، قبحه الله.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٠٥)
يخبر تعالى أنه لا يهدي من أعرض عن ذكره وتغافل عما أنزله على رسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يكن له قصد إلى الايمان بما جاء من عند الله ، فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله إلى الايمان بآياته وما أرسل به رسله في الدنيا ، ولهم عذاب أليم موجع في الآخرة ، ثم أخبر تعالى أن رسولهصلىاللهعليهوسلم ليس بمفتر ولا كذاب ، لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلىاللهعليهوسلم شرار الخلق ، (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) [النحل : ١٠٥] من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد صلىاللهعليهوسلم كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفا بالصدق في قومه ، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا بالأمين محمدصلىاللهعليهوسلم ، ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان فيما قال له : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عزوجل.
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٠٩)
أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر ، وشرح صدره بالكفر واطمأن به ، أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه ، وأن لهم عذابا عظيما في الدار الآخرة ، لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ، ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ، فطبع على قلوبهم ، فهم لا يعقلون بها شيئا ينفعهم ، وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها ، ولا أغنت عنهم شيئا فهم غافلون عما يراد
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٦٤٩.