اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤٦)
هذا تعليم من الله تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم ، فقال : «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم» (١).
وقال عبد الرزاق : عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله ، فإن صخبوا وصاحوا فعليكم بالصمت» (٢) ، وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا معتمر بن سليمان ، حدثنا ثابت بن زيد عن رجل عن زيد بن أرقم عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، مرفوعا ، قال : «إن الله يحب الصمت عند ثلاث عند تلاوة القرآن ، وعند الزحف ، وعند الجنازة» وفي الحديث الآخر المرفوع ، يقول الله تعالى : «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» (٣) أي لا يشغله ذلك الحال ، عن ذكري ودعائي واستعانتي.
وقال سعيد بن أبي عروبة : عن قتادة في هذه الآية ، قال : افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون عند الضرب بالسيوف ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء ، قال : وجب الإنصات وذكر الله عند الزحف ، ثم تلا هذه الآية ، قلت : يجهرون بالذكر؟ قال : نعم ، وقال أيضا : قرأ علي يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش عن يزيد بن فوذر عن كعب الأحبار ، قال ما من شيء أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والذكر ، ولو لا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال ، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قال الشاعر : [الطويل]
ذكرتك والخطّيّ يخطر بيننا |
|
وقد نهلت فينا المثقّفة السّمر (٤) |
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١١٢ ، ومسلم في الجهاد حديث ٢ ، وأبو داود في الجهاد باب ٨٩ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٥٤.
(٢) أخرجه الدارمي في السير باب ٦.
(٣) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ١١٨ ، بلفظ : «إنّ عبدي كل عندي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه».
(٤) البيت لأبي العطاء السندي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٠ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٢ / ٦٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٢٦.