مِنْ أَطْرافِها) قال ابن عباس : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد صلىاللهعليهوسلم الأرض بعد الأرض (١) ، وقال في رواية : أو لم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية (٢).
وقال مجاهد وعكرمة : ننقصها من أطرافها ، قال : خرابها. وقال الحسن والضحاك : هو ظهور المسلمين على المشركين. وقال العوفي عن ابن عباس : نقصان أهلها وبركتها. وقال مجاهد : نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض. وقال الشعبي : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك (٣) ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات (٤) ، وكذا قال عكرمة : لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ، ولكن هو الموت. وقال ابن عباس في رواية : خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها ، وكذا قال مجاهد أيضا : هو موت العلماء ، وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ سكن أصبهان ، حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق ، أنشدنا أبو بكر الآجري بمكة قال : أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه : [الطويل]
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها |
|
متى يمت عالم منها يمت طرف |
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلّ بها |
|
وإن أبى عاد في أكنافها التلف |
والقول الأول أولى ، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية ، كقوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) الآية ، وهذا اختيار ابن جرير.
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) (٤٢)
يقول تعالى : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم ، وأرادوا إخراجهم من بلادهم ، فمكر الله بهم وجعل العاقبة للمتقين ، كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [الأنفال : ٣٠] ، وقوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٥٠ ـ ٥٢] الآيتين. وقوله : (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) أي أنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر وسيجزي كل عامل بعمله وسيعلم الكافر ، والقراءة الأخرى (الْكُفَّارُ ، لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) أي لمن تكون الدائرة والعاقبة لهم أو لأتباع الرسل ، كلا ، بل هي لأتباع الرسل في الدنيا والآخرة ، ولله الحمد والمنة.
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٠٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٠٦ ، ٤٠٧.
(٣) الحش : البستان ، وحيث يقضي الإنسان حاجته.
(٤) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٠٧.