قال : «نعم ، والذي نفس محمد بيده ، إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة». قال : إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، وليس في الجنة أذى؟ قال: «تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كريح المسك فيضمر بطنه» (١) رواه الإمام أحمد والنسائي.
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ، فيخر بين يديك مشويا» وجاء في بعض الأحاديث أنه إذا فرغ منه عاد طائرا كما كان بإذن الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٢ ـ ٣٣] ، وقال (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان : ١٤] وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) [النساء : ٥٧].
وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها» (٢) ثم قرأ (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ليرغب في الجنة ويحذر من النار ، ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر قال بعده : (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ). كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر : ٢٠].
وقال بلال بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه : عباد الله ، هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من عبادتكم تقبلت منكم ، أو أن شيئا من خطاياكم غفرت لكم؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) ، والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم ، أو ترغبون في طاعة الله لتعجيل دنياكم ولا تنافسون في جنة (أُكُلُها دائِمٌ) رواه ابن أبي حاتم.
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) (٣٧)
يقول تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) وهم قائمون بمقتضاه (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) [البقرة : ١٢١] الآية ، وقال تعالى : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ـ إلى قوله ـ إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٧ ـ ١٠٨] أي إن كان
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٣٦٧ ، ٣٧١.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه في تفسير الآية ٢٩ من هذه السورة.