السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩)
يقول تعالى آمرا رسوله صلىاللهعليهوسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس في قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي أمضه ، وفي رواية «افعل ما تؤمر» (١) وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود : ما زال النبي صلىاللهعليهوسلم مستخفيا حتى نزلت (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، فخرج هو وأصحابه.
وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) أي بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] ولا تخفهم فإن الله كافيك إياهم وحافظك منهم ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم ، عن أنس قال : سمعت أنسا يقول في هذه الآية ، (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) قال : مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل ، أحسبه قال : فغمزهم ، فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا.
قال محمد بن إسحاق : كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه ، فقال : «اللهم أعم بصره ، وأثكله ولده» ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد ، ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) إلى قوله (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
وقال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء ، أن جبريل أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يطوف بالبيت ، فقام وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه ، فاستسقى بطنه ، ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، وكان أصابه قبل ذلك بسنتين ، وهو يجز إزاره ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له (٢) ، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش ،
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٥٤٨ ، ٥٤٩.
(٢) يريش نبلا له : أي ينحت نبالا ويجعل لها ريشا.