وقال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس في قوله (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) يعني في أم الكتاب الأول ، أن المغانم والأسارى حلال لكم (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) من الأسارى (عَذابٌ عَظِيمٌ) قال الله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) الآية. وكذا روى العوفي عن ابن عباس ، وروي مثله عن أبي هريرة ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وعطاء والحسن البصري ، وقتادة والأعمش أيضا ، أن المراد (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) لهذه الأمة بإحلال الغنائم ، وهو اختيار ابن جرير رحمهالله.
ويستشهد لهذا القول ، بما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة» (١) وقال الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا» (٢) ولهذا قال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) الآية ، فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء.
وقد روى الإمام أبو داود في سننه : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا شعبة عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس ، أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة (٣) ، وقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء ، أن الإمام مخير فيهم إن شاء قتل كما فعل ببني قريظة ، وإن شاء فادى بمال كما فعل بأسرى بدر ، أو بمن أسر من المسلمين ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تلك الجارية وابنتها ، اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ، وإن شاء استرق من أسر. هذا مذهب الإمام الشافعي وطائفة من العلماء ، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة ، مقرر في موضعه من كتب الفقه.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧١)
__________________
(١) أخرجه البخاري في التيمم باب ١ ، والصلاة باب ٥٦ ، والخمس باب ٨ ، ومسلم في المساجد حديث ٣ ، ٥.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨ ، باب ٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥٢.
(٣) أخرجه أبو داود في الجهاد باب ١٢١.