وامتثال أوامره وترك زواجره وتصديق أخباره والاقتفاء بآثاره.
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠)
لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلىاللهعليهوسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات بين تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين كما رواه الإمام أبو داود (١) في سننه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وفيه ضعف عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال : أتيت النبيصلىاللهعليهوسلم فبايعته فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة فقال له : «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك» وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية هل يجب استيعاب الدفع لها أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين [أحدهما] أنه يجب ذلك وهو قول الشافعي وجماعة.
[والثاني] أنه لا يجب استيعابها بل يجوز الدفع إلى واحد منها ويعطي جميع الصدقة مع وجود الباقين وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف منهم عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران ، قال ابن جرير : وهو قول جماعة عامة من أهل العلم ، وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف هاهنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء. ولوجوه الحجاج والمآخذ مكان غير هذا والله أعلم ، وإنما قدم الفقراء هاهنا على البقية لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور ولشدة فاقتهم وحاجتهم ، وعند أبي حنيفة أن المسكين أسوأ حالا من الفقير وهو كما قال أحمد.
وقال ابن جرير (٢) : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية أنبأنا ابن عون عن محمد قال : قال عمر رضي الله عنه : الفقير ليس بالذي لا مال له ، ولكن الفقير الأخلق الكسب قال ابن علية : الأخلق المحارف عندنا ، والجمهور على خلافه وروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وابن زيد. واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا والمسكين هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس.
وقال قتادة : الفقير من به زمانة والمسكين الصحيح الجسم (٣) وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم هم فقراء المهاجرين ، قال سفيان الثوري يعني ولا يعطى الأعراب منها شيئا وكذا روي عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى. وقال عكرمة : لا تقولوا لفقراء المسلمين
__________________
(١) كتاب الزكاة باب ٢٤.
(٢) تفسير الطبري ٦ / ٣٩٦.
(٣) تفسير الطبري ٦ / ٣٩٥.