(قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : تقول الآن تبين الحق وظهر وبرز.
(أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) أي في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) تقول : إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ، ولا وقع المحذور الأكبر ، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع ، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي ، فإن النفس تتحدث وتتمنى ، ولهذا راودته لأن (النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أي إلا من عصمه الله تعالى : (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.
وقد حكاه الماوردي في تفسيره ، وانتدب لنصره الإمام أبو العباس بن تيمية رحمهالله ، فأفرده بتصنيف على حدة ، وقد قيل : إن ذلك من كلام يوسف عليهالسلام يقول : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) في زوجته (بِالْغَيْبِ) الآيتين ، أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي ، وليعلم العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) في زوجته (بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) الآية ، وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما جمع الملك النسوة فسألهن : هل راودتن يوسف عن نفسه؟ (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) الآية ، قال يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) فقال جبريل عليهالسلام : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) الآية ، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل والضحاك والحسن وقتادة والسدي ، والقول الأول أقوى وأظهر ، لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف عليهالسلام عندهم ، بل بعد ذلك أحضره الملك.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ(٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥)
يقول تعالى إخبارا عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليهالسلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه ، قال (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي أجعله من خاصتي وأهل مشورتي (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أي خاطبه الملك ، وعرفه ، ورأى فضله وبراعته ، وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال ، قال له الملك (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) أي إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة ، فقال
__________________
(١) تفسير الطبري ٧ / ٢٣٧.