كذا رواه ابن ماجة ، وقوله : لا لبس فيهم أي لا خلط. وقوله : يمنعون الجار أن يقردا ، أي يضطهد ويظلم ، وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامة والاجتناء من سائر الثمار ، ثم جمعها للشمع والعسل وهو من أطيب الأشياء ، (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها ، فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٧٠)
يخبر تعالى عن تصرفه في عباده ، وأنه هو الذي أنشأهم من العدم ثم بعد ذلك يتوفاهم ، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم وهو الضعف في الخلقة ، كما قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) [الروم : ٥٤] الآية ، وقد روي عن علي رضي الله عنه : أرذل العمر خمس وسبعون سنة ، وفي هذا السن يحصل له ضعف القوى والخرف ، وسوء الحفظ وقلة العلم ، ولهذا قال : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ، أي بعد ما كان عالما أصبح لا يدري شيئا من الفند والخرف.
ولهذا روى البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور عن شعيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يدعو «أعوذ بك من البخل والكسل والهرم ، وأرذل العمر وعذاب القبر ، وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات» (١) وقال زهير بن أبي سلمة في معلقته المشهورة : [الطويل]
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين عاما لا أبا لك يسأم (٢) |
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب |
|
تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم |
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١)
__________________
ـ ومجمل اللغة ٣ / ٩٤ ، وتاج العروس (سنت) ، (ألس) ، وللأعشى في أساس البلاغة (قرد) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب (بختر) ، (ألس) ، وجمهرة اللغة ص ٦٣٦ ، ١٢١٤ ، ومقاييس اللغة ٣ / ١٠٤ ، والمخصص ٣ / ٨٤ ، ٨ / ١٢٢ ، وديوان الأدب ١ / ٣٣٢ ، وتهذيب اللغة ٢ / ٣٨٥ ، ١٣ / ٧١ ، وتاج العروس (بختر)
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١٦ ، باب ١ ، ومسلم في الذكر حديث ٥٢.
(٢) البيتان في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٢٩ ، والبيت الأول في كتاب العين ٥ / ٣٧٢ ، وأساس البلاغة (كلف) ، وتاج العروس (حمل) ، والبيت الثاني في لسان العرب (خبط) ، (عشا) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٥٤ ، ٧ / ٢٥١ ، وجمهرة اللغة ص ٨٧٢ ، وتاج العروس (خبط) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٣٢٣ ، وكتاب العين ٢ / ١٨٨ ، وأساس البلاغة (عشو) ، وبلا نسبة في المخصص ٧ / ١٢٣.