(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) : أي من هذا العذاب النازل بك الآن.
(فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) : أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم.
(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) : أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث والجزاء.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) حسب سنتنا في الخلق خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة (١) اقتضت خلقه منا ولم نخلقه عبثا ونحن (نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي ما تتحدث به نفسه من إرادات أو خواطر ، ونحن أي ربّ العزة والجلال (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢) فلو أردنا أن نأخذ منه أو نعطيه أو نسمع منه أو نعلم به لكنا على ذلك قادرين وقربنا في ذلك منه أقرب من حبل عنقه إلى نفسه وذلك في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان (الْمُتَلَقِّيانِ) سائر أقواله وأعماله يثبتانها ويحفظانها وقوله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي أحد الملكين وهما المتلقيان عن يمينه قاعد والثاني عن شماله قاعد هذا يكتب الحسنات وذاك يكتب السيئات.
ولفظ قعيد معناه قاعد كجليس بمعنى مجالس أو جالس ، وقوله تعالى (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) أي ما يقول الإنسان (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي إلا عنده ملك رقيب حافظ ، وعتيد حاضر لا يفارقانه مدى الحياة إلا أنهما يتناوبان ملكان بالنهار وملكان بالليل ويجتمعون في صلاتي الصبح والعصر وقوله تعالى (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ (٣) بِالْحَقِ) أي وإن طال العمر فلا بد من الموت وها هي ذي قد جاءت سكرة الموت أي غمرته وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر للبعث والدار الآخرة المكذب به يراه عيانا. (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي يقال له هذا الموت الذي كنت منه تحيد أي تهرب وتفزع. وقوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي نفخ اسرافيل في الصور أي القرن الذي قد التقمه وجعله في فيه من يوم بعث النبي الخاتم نبيّ آخر الزمان محمد صلىاللهعليهوسلم وهو ينتظر متى يؤمر فينفخ نفخة الفناء ذلك أي يوم ينفخ في الصور هو (يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٤) بالعذاب للكافرين ، وفعلا نفخ في الصور نفخة البعث بعد نفخة الفناء (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) أي ملك يسوقها إلى
__________________
(١) تقدم بيان الحكمة للخلق تحت رقم واحد من هذا السياق في شرح الكلمات.
(٢) الوريد : واحد الشرايين ، وهو ثاني شريانين يخرجان من التجويف الأيسر من القلب وهما عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدميهما متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه ، والحبل : العرق والجمع عروق ويختلف أسمه باختلاف موضعه من الجسم.
(٣) السكرة : اسم لما يعتري الإنسان من ألم واختلال في المزاج يحد من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوية وهو مشتق من السكر وهو الغلق لأنه يغلق العقل ، ومنه جاء وصف السكران.
(٤) يوم وعيد للكافرين ويوم وعد صادق للمؤمنين ، ولما كان السياق في دعوة الكافرين إلى الإيمان ذكر الوعيد دون الوعد.