وقالوا مستنكرين متعجبين (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي متكبر.
قال تعالى ردا عليهم (سَيَعْلَمُونَ غَداً) يوم ينزل بهم العذاب ويوم القيامة أيضا (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) أصالح أم هم ، لن يكونوا إلا هم فهم الذين أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
وقوله تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي كما طلبوا إذ قالوا لصالح إن كنت رسول الله حقا فسله يخرج لنا من هذه الصخرة في هذا الجبل ناقة فقام يصلى ويدعو وما زال يصلى ويدعو حتى تمخض (١) الجبل وخرجت منه ناقة عشراء آية في القوة والجمال ، وقال لهم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم أليم. ومعنى فتنة لهم أي امتحانا واختبارا لهم هل يؤمنون أو يكفرون ، ولذا قال تعالى لصالح (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) (٢) أي انظر إليهم وراقبهم من بعد واصطبر على أذاهم. (وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبرهم بأمرنا (أَنَّ الْماءَ) ماء بئرهم الذي يشربون منه (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) (٣) أي مقسوم بينهم للناقة يوم وللقبيلة يوم ، وقوله (كُلُّ شِرْبٍ (٤) مُحْتَضَرٌ) أي كل نصيب خاص بصاحبه يحضره دون غيره. وما تشربه الناقة من الماء نحيله إلى لبن خالص وتقف عند كل باب من أبواب المدينة ليحلبوا من لبنها وطالت المدة وملوا اللبن والسعادة (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) غدار بن سالف عاقر الناقة (فَتَعاطى) (٥) السيف وتناوله وعقرها بضرب رجليها بالسيف ثم ذبحها. وقوله تعالى (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) الذي أنزلته بهم بعد عقر الناقة كيف كان إنذارى لهم أما العذاب فقد كان أليما وأما الإنذار فقد كان صادقا ، والويل للمكذبين. وهذا بيانه قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) هي صيحة جبريل عليهالسلام فانخلعت لها قلوبهم فاصبحوا في ديارهم جاثمين (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٦) أي ممزقين محطمين مبعثرين هنا وهنا كحطب وخشب وعشب الحظائر التي تجعل للأغنام.
__________________
(١) قال القرطبي : روي أن صالحا صلى ركعتين ودعا فانصدعت الصخرة التي عيّنوها عن سنامها ، فخرجت ناقة عشراء وبراء.
(٢) (وَاصْطَبِرْ) أصل الكلمة واصتبر قلبت التاء طاء موافقة للصاد في الإطباق.
(٣) روي عن جابر قال : لما نزلنا الحجر في مغزى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تبوك قال : (أيها الناس لا تسألوا في هذه الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيّهم أن يبعث الله لهم ناقة فبعث الله عزوجل إليهم الناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها).
(٤) الشرب بكسر الشين : الحظ من الماء ، ومعنى محتضر : أي يحضره من هو له دون غيره إذ هو من الحضور خلاف الغياب.
(٥) (فَتَعاطى) مضارع عاطاه معاطاة وهو مشتق من عطا يعطو : إذا تناول ما يطلبه من شيء كأنهم كانوا مترددين في عقرها كل واحد يريد إعطاء غيره آلة العقر حتى أخذها غدار وعقرها.
(٦) المحتظر : اسم فاعل : الرجل الذي يتخذ الحظائر لغنمه من الحطب والعيدان وأغصان الشجر.