وتهديدا للمشركين المصرين على الشرك بالله والتكذيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وانذارا لأهل الشرك والمعاصى في كل زمان ومكان فقال تعالى (كَذَّبَتْ) (١) (قَوْمُ لُوطٍ) وهم أهل قرى سدوم (٢) وعمورة كذبوا رسولهم لوطا بن أخى إبراهيم عليهالسلام هاران. كذبوا (بِالنُّذُرِ) وهى الآيات التى أنذرهم لوط بها وخوفهم من عواقبها.
وقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) (٣) أي لما كذبوا بالنذر وأصروا على الكفر وإتيان الفاحشة ارسلنا عليهم حاصبا ريحا تحمل الحصباء الحجارة الصغيرة فأهلكناهم بعد قلب البلاد بجعل عاليها سافلها. وقوله تعالى (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (٤) والمراد من آل لوط لوط ومن آمن معه من ابنتيه وغيرهما نجاهم الله تعالى بسحر وهو آخر الليل. وقوله (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي كان انجاؤهم إنعاما منا عليهم ورحمة منا بهم. وقوله تعالى (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أي كهذا الإنجاء أي من العذاب الدنيوي نجزى من شكرنا فآمن بنا وعمل صالحا طاعة لنا وتقربا إلينا وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ (٥) بَطْشَتَنا) أي إننا لم نأخذهم بظلم منا ولا بدون سابق إنذار منا لا ، لا بل أخذناهم بظلمهم ، وبعد تكرر إنذارهم ، فكانوا إذا أنذروا تماروا بما أنذروا فجادلوا فيه مستهزئين مكذبين ، ومن أعظم ظلمهم أنهم راودوا لوطا عن ضيفه من الملائكة وهم في صورة بشر ، فلما راودوه عنهم ليفعلوا الفاحشة ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم فأصبحت كسائر وجوههم لا حاجب ولا مقلة ولا مكان للعين بالكلية وقولنا لهم فذوقوا عذابي ونذري أي لأولئك الذين راودوا لوطا عن ضيفه ، أما باقى الأمة فهلاكهم كان كما أخبر تعالى عنه بقوله : (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً) أي صباحا (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أي دائم لهم ملازم لا يفارقهم ذاقوه في الدنيا موتا وصاحبهم بزرخا ويلازمهم في جهنم لا يفارقهم.
وقلنا لهم (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) حيث كنتم تمارون وتستهزئون وقوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) (٦) (الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي القرآن للحفظ وسهلناه للفهم والاتعاظ به والتذكر فهل من مدّكر أي فهل من متذكر متعظ معتبر فيقبل على طاعة الله متجنبا معاصيه فينجو ويسعد وقوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ
__________________
(١) عرّف قوم لوط بالاضافة إليه عليهالسلام لأنه لم يكن لتلك الأمة اسم عند العرب يعرفون به.
(٢) بعضهم يرويها بالذال المعجمة وبعضهم بالدال المهملة ، وعمورة بعضهم يرويها بلفظ عمورية.
(٣) (إِنَّا أَرْسَلْنا) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن من سمع بتكذيبهم تساءل عما فعل الله بهم.
(٤) لوط داخل في آله بفحوى الخطاب فلا يقال : لم لم يذكر لوط وذكر آله دونه.
(٥) البطشة المرة : أي الأخذة بشدة وعنف وقوة.
(٦) هذه المرة الثالثة ينوه فيها القرآن الكريم ولم يذكر هنا ما ذكر في المرتين قبل من قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) اكتفاء بما سبق ذكره بعدا عن التكرار غير المجدي.