(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) : أي نزه وقدس اسم ربك العظيم.
معنى الآيات :
بعد تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن كلام الله وتنزيله عاد السياق الكريم الى تقرير البعث والجزاء فقال تعالى (١) (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ) أي الروح (٢) (الْحُلْقُومَ) وهو مجرى الطعام (وَأَنْتُمْ) في (٣) ذلك الوقت (تَنْظُرُونَ) مريضكم وهو يعانى من سكرات الموت ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي رسلنا أقرب إليه منكم (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) إذ لا قدرة لكم على رؤية الملائكة ما لم يتشكلوا في صورة إنسان. وقوله (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي محاسبين بعد الموت ومجزيين بأعمالكم (تَرْجِعُونَها) الروح بعد ما بلغت الحلقوم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أنكم غير مدينين لله بأعمالكم ، أى فلا يحاسبكم عليها ولا يجزيكم بها.
وقوله تعالى (فَأَمَّا (٤) إِنْ كانَ) أي المحتضر (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وهم السابقون (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) (٥) أي فإن له الاستراحة التامة من عناء تعب الدنيا وتكاليفها وريحان وهو الرزق الحسن (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ). (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين (فَسَلامٌ لَكَ) يا صاحب اليمين من اخوانك أصحاب اليمين الذين سبقوك الى دار السّلام.
(وَأَمَّا إِنْ كانَ) المحتضر (مِنَ الْمُكَذِّبِينَ) لله ورسوله المنكرين للبعث الآخر (الضَّالِّينَ) عن الهدى ودين الحق (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي ضيافة على الماء الحار هذه ضيافته (وَتَصْلِيَةُ (٦) جَحِيمٍ) أي واحتراق بالجحيم.
وقوله تعالى (إِنَ) (٧) (هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (٨) أي هذا الذي حدثناك به عن المحتضرين الثلاثة وما لهم وما نالهم لحق اليقين. وقوله (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) يأمر تعالى رسوله بالتسبيح باسم
__________________
(١) لم يجر للروح ذكر إلا أن المقام دال عليها كما قال حاتم.
أما وي ما يغني الثراء عن الفتى |
|
إذا حشجرت يوما وضاق بها الصدر |
(٢) (فَلَوْ لا) حرف تحضيض مستعمل هنا في التعجيز ، لأن المحضوض إذا لم يفعل ما حض عليه كان عاجزاو (إِذا بَلَغَتِ) ظرف متعلق ب (تَرْجِعُونَها) مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه.
(٣) (وَأَنْتُمْ) الجملة حالية وكذا جملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) حالية أيضا.
(٤) الفاء للتفريع إذ ما بعدها من بيان حال من مات من سعادة أو شقاء متفرع عن الموت وانتهاء الحياة.
(٥) الروح : الراحة أي : هو في راحة ونعيم ، وعلى قراءة روح بضم الراء فالمعنى : أن روح المؤمن معها الريحان وهو الطيب والريحان شجر لورقه وقضبانه رائحة ذكية طيبة.
(٦) التصلية : مصدر صلّاه المشدد : إذا أحرقه وشواه يقال : صلى اللحم تصلية : إذا شواه والجحيم : النار المؤججة ، وهو علم على جهنم دار العذاب.
(٧) هذه الجملة تذييل لجميع ما تقدم في هذه السورة من وعد ووعيد واستدلال على تقرير النبوة والبعث والتوحيد ويدخل فيه دخولا أوليا الأقرب ذكرا وهو ما ذكر في التفسير.
(٨) اشتملت جملة : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) على أربع مؤكدات وهي : إن ، ولام الابتداء ، وضمير الفصل ، وإضافة شبه المترادفين وهما : الحق واليقين ، وخامس وهو الجملة الاسمية لإفادتها الدوام والثبوت.