(أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) : أي الذين كتبوا عند الله صديقين وهي مرتبة شرف عالية.
(وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) : أي وشهداء المعارك في سبيل الله عند ربهم أي في الجنة لهم أجرهم العظيم ونورهم التام يوم القيامة.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) : أي كفروا بالله وتوحيده وكذبوا بالقرآن وبما حواه من الشرائع والأحكام.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) : أي أولئك البعداء هم أهل النار الذين لا يفارقونها أبدا.
معنى الآيات :
قوله تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (١) أي بالله ربّا وإلها وبمحمد صلىاللهعليهوسلم نبيا ورسولا وبوعد الله ووعيده صدقا وحقا ألم يحن (٢) الوقت لهم (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) فتلين وتطمئن إلى ذكر الله وتخشع كذلك (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) في الكتاب الكريم فيعرفون المعروف ويأمرون به ويعرفون المنكر وينهون عنه إنها لموعظة إلهية عظيمة وزادها عظمة أن تنزل في أصحاب رسول الله تستبطئ قلوبهم. فكيف بمن بعدهم.
وقوله : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل البعثة المحمدية وهم اليهود والنصارى (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) وهو الزمان الطويل بينهم وبين أنبيائهم فلم يذكروا ولم يرشدوا (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) من أجل ذلك وأصبح أكثرهم فاسقين (٣) عن دين الله خارجين عن شرائعه لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
وقوله تعالى (اعْلَمُوا) أي أيها المؤمنون المصابون ببعض الغفلة فكثر مزاحهم وضحكهم (أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يحييها بالغيث فتنبت وتزدهر فكذلك القلوب (٤) تموت بترك التذكير والتوجيه والإرشاد وتحيا على التذكير والإرشاد.
وقوله تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) أي وضحناها لكم في هذا الكتاب الكريم (لَعَلَّكُمْ
__________________
(١) روى مسلم عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ.). إلا أربع سنين قال الخليل : العتاب خطاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة.
(٢) هنا فعلان : أنى يأني مشتق من الإنى وهو اسم جامد بمعنى الوقت وآن يئين مشتق من الأين الذي هو الحين قال الشاعر :
ألما يئن لي أن تحلّى عمايتي |
|
وأقصر عن ليلي بلى قد أنى ليا |
فجمع بين اللغتين أي : بين أنى يأني وبين آن يئين.
(٣) عن مالك قال : بلغني أن عيسى عليهالسلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسوا قلوبكم ، فإن القلب القاسي يبعد من الله ولكنكم لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
(٤) وكذلك القلوب تقسوا فتليينها بعد قساوتها يكون بذكر الله والدار الآخرة والتذكير بهما.