(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) : أي فلا يبعد تفضله بذلك الموعود به وإن كان عظيما.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يزيد في كمالهم وسعادتهم في الحياتين فخاطبهم قائلا : (اعْلَمُوا) أيها (١) المؤمنون الذين استبطانا قلوبهم أي خشوعها إذ الإقبال على الدنيا هو سبب الغفلة عن الآخرة ومتطلباتها من الذكر والعمل الصالح (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ (٢) وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) هذه حقيقتها وهي أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال. فلا تغتروا بها ولا تقبلوا بكلكم عليها أنصح لكم بذلك. فاللهو كاللعب لا يخلفان منفعة تعود على اللاهي اللاعب ، والزينة سرعان ما تتحول وتتغير وتزول والتفاخر بين المتفاخرين مجرد كلام ما وراءه طائل أبدا والتكاثر لا ينتهي الى حد ولا يجمع الا بالشقاء والنصب والتعب ثم يذهب أو يذهب عنه فلا بقاء له ولا دوام وله تبعات لا ينجو منها صاحبها إلا برحمة من الله وإليكم مثل الحياة الدنيا إنها (كَمَثَلِ (٣) غَيْثٍ) أي مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) أي الفلاحين الذين كفروا بذرة بالتربة (نَباتُهُ) الذي نبت به أي المطر (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ) بعد أيام (مُصْفَرًّا) (٤) ثم يهيج أي ييبس (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) يتفتت هذه هي الدنيا من بدايتها الى نهايتها المؤلمة أما الآخرة ففيها عذاب شديد لأهل الشرك والمعاصي لا بدلهم منه يفارقونه ، (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) لأهل التوحيد وصالح الأعمال (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) وقد عرضنا عليكم مثالها فما هي (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي إنها لا حقيقة لها وكل ما فيها من المتع التي يتمتع بها إلا غرور باطل. وعليه فأنصح لكم (٥) (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي سارعوا بالتوبة مسابقين بعضكم بعضا لتغفر ذنوبكم وتدخلوا جنة ربكم التي (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي هيئت وأحضرت. فهى معدة مهيأة. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) أي المغفرة ودخول الجنة (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ومن سارع الى التوبة فآمن وعمل صالحا وتخلى عن الشرك والآثام فهو ممن شاء له فضله ولذلك وفقه للإيمان وصالح الأعمال. (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
__________________
(١) في هذه الآية الكريمة تنبيه عظيم إلى علة كل معوّق عن الكمال والإسعاد من أمراض الشح والحرص والغفلة وإيثار الملاذ والجري وراءها ألا وإنها حب الدنيا العاجلة ، وفي الأثر : حب العاجلة رأس كل خطيئة.
(٢) اللهو واللعب : كل ما شغل عن ذكر الله تعالى ، والإكثار منهما دليل على خسة العقل وضعفه ، وصورتهما ترى من لعب الأطفال وتلهيهم بما يلعبون به من أنواع اللعب ، والزينة : ما يتزيّن به من لباس وأثاث ونحوهما والتفاخر والتكاثر تحمل عليهما النفس الضعيفة ويولدهما الغرور وهما من صفات المفتونين بحب الحياة الدنيا.
(٣) جائز أن يكون (كَمَثَلِ) في موضع خبر ، والمبتدأ محذوف تقديره : هي أي الحياة الدنيا (كَمَثَلِ غَيْثٍ).
(٤) الإصفرار بعد الهيجان واليبوسة بعد الإصفرار أما الهيجان فهو عبارة عن سرعة بلوغ النبات مستواه كبلوغ الإنسان أشده ثم يأخذ في الإصفرار فيصفر فلذا عبر ب ثم الدالة على التراخي ، وبعد الإصفرار اليبوسة وهي الإفناء والتلاشي.
(٥) بعد أن كشف لهم عن حال الدنيا وأنها سريعة الزوال حثهم على المسابقة بتصحيح الإيمان وتقويته بالعمل الصالح للفور بالجنة فلله الحمد وله المنة.