(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) : أي صلوا لا يصلون.
(بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) : أي بعد القرآن إذ الكتب غيره ليست معجزة والقرآن هو المعجز بألفاظه ومعانيه فمن لم يؤمن بالقرآن ما آمن بغيره بحال من الأحوال.
معنى الآيات :
من باب الترغيب والترهيب وهو أسلوب أمتاز به القرآن الكريم ذكر تعالى ما للمتقين من نعيم مقيم بعد ذكر ما للمكذبين الضالين من عذاب الجحيم فقال تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) وهم الذين اجتنبوا الشرك والمعاصي (فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) في ظلال أشجار الجنة وعيونها من ماء ولبن وخمر وعسل (وَفَواكِهَ) كثيرة منوعة (مِمَّا يَشْتَهُونَ) (١) على خلاف الدنيا إذ الناس يأكلون مما يجدون فلوا اشتهوا شيئا ولم يجدوه ما أكلوه وأما دار النعيم فإن المرء ما اشتهى شيئا إلا وجده وأكله وهذا هو السر في التعبير في غير موضع بكلمة مما يشتهون. ومن إتمام النعيم أن يقال لهم تطييبا لخواطرهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا (٢) هَنِيئاً) أي متهنئين (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الصالحات وتتركون من السيئات. وقوله تعالى (إِنَّا كَذلِكَ (٣) نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي كهذا الجزاء الذي جزينا به المتقين نجزي به المحسنين. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي بهذا الوعد الكريم. قوله تعالى (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ). هذا قول الله تعالى لمشركي قريش وكفارها يهددهم الرب تبارك وتعالى ناعيا عليهم إجرامهم حتي يحين وقتهم وقد حان حيث أعلمهم أنهم لا يتمتعون إلا قليلا وقد أهلكوا في بدر. وقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) هو توعد بالعذاب الأليم لمن يكذب بوعيد الله هذا ووعده ذاك. وقوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) (٤) أي صلوا (لا يَرْكَعُونَ) أي لا يصلون ولا يخشعون ولا يتواضعون فيقبلون الحق ويؤمنون به ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بشرائع الله وهداه التاركين للصلاة وقوله تعالى (فَبِأَيِ (٥) حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) أي فبأي كتاب يؤمن هؤلاء المكذبون إذا لم يؤمنوا بالقرآن وذلك لما فيه من الخير والهدى ولما يدعو إليه من السعادة والكمال كما أنه معجز بألفاظه ومعانيه بخلاف الكتب غيره فمن لم يؤمن به لا يرجى له أن يؤمن بغيره بحال من الأحوال.
__________________
(١) أي يتمنون إذ أكلهم للذة الأكل لا للحفاظ على الجسم كما هي الحال في الدنيا يأكل الآدمي للبقاء على حياته إذ لو ترك الغذاء هلك.
(٢) هذا مقول قول محذوف أي يقال لهم كلوا واشربوا.
(٣) إن المحسنين هم المتقون ، وإنما ذكر صفة الإحسان لأن التقوى التي هي فعل وترك متوقفة على الإحسان الذي هو مراقبة الله تعالى المنتجة إحسان النيات والأعمال الصالحات.
(٤) يذكر أن مالكا رحمهالله تعالى : دخل المسجد بعد صلاة العصر وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر فجلس ولم يركع ، فقال له صبي يا شيخ قم فاركع فقام فركع فقيل له في ذلك قال خشيت أن أكون من الذين (إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ).
(٥) الفاء هي الفصيحة أي إن لم تؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده تؤمنون والاستفهام إنكاري تعجبي.