عليه ، فلأنّا نستحسن ركوب الأخطار ، وقطع المفاوز ، رجاء لحصول نفع يوفّى على تلك المشقّة ، والعلم بذلك ظاهر. وكذلك يحسن استيجار الأجير بعوض يرفع قبح ألمه ، وأمّا أنّه يحسن لدفع الضرر ، فلأنّا نستحسن شرب الدواء الكريه والعلاج بالحديد دفعا لما يظنّ من الضرر الموفّى عليه ، ونجد العقل باعثا على ذلك. وأمّا أنّه يحسن على وجه الدفع ، فلأنّ من أراد غيره عن نفسه (١١٩) حسن منه الذبّ عن نفسه ، وإن أدّى ذلك إلى قتل المريد. وأمّا أنّه يحسن إذا كان جاريا مجرى فعل الغير ، فلأنّ من طرح غيره في نار فاحترق ، فإنّ احتراقه من فعل الله سبحانه امّا بالاختراع أو التولّد ، (١٢٠) ولا يقبح ذلك من الله سبحانه ، ولا يجب عليه في مقابلته عوض ، لأنّه سبحانه لمّا جرى العادة بذلك لم يجز نقضها إذ نقضها دلالة على صدق مدّعى النبوّة ، فلو خرق العادة لا نسدّ باب الاستدلال على النبوّات ، فصار ذلك الفعل ـ وإن كان من الله تعالى ـ جاريا مجرى فعل غيره ، فكان العوض في ذلك على المباشر لالقائه.
فائدة
اختلف أبو علي وأبو هاشم في وجه حسن الآلام على وجه الدفع ، فقال أبو علي : وجه حسنها أنّ الدافع صار مستحقّا لنفس من كابره على نفسه ، وكان ذلك من قبيل المستحقّ ، فيكون على هذا التقدير من القسم الأوّل ، لا قسما برأسه. وقال أبو هاشم : وجه حسنه كونه دفعا لا غير ، لأنّ العقلاء يحسنون ذلك نظرا إلى الدفع ، لا إلى كونه مستحقّا. ولأنّه لو كانت
__________________
(١١٩) كذا.
(١٢٠) راجع التعليق رقم ٣٦.