(المسألة الخامسة : أن الله تعالى سميع بصير)
والمرجع بهما عند الجمهور إلى أنه تعالى لا آفة به ، وحكي عن أبي هاشم إثبات حالة زائدة ، وهو لا يصح ؛ لأن العلم بكونه سميعا بصيرا يدور على كونه حيا لا آفة به ثبوتا وانتفاء ، ولو كانت غيرين لصح انفصال أحدهما عن الأخرى.
وحكى الإمام القاسم بن محمد ـ عادت بركاته ـ عن جمهور أئمتنا والبغدادية (١) : أنهما بمعنى عالم ؛ لأن السميع حقيقة لغوية مستعملة لمن يصح أن يدرك المسموع بمعنى محله الصماخ ، والبصير حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك المبصر بمعنى محله الحدق ، والله تعالى ليس كذلك ، فلم يبق إلا أنهما بمعنى عالم. انتهى.
فمتى دللنا على ذاته بكونه عالما لذاته بجميع المعلومات ثبت أنه تعالى عالم بالمسموعات والمبصرات التي يعلمها غيره من جهة السمع والبصر ، فكان سميعا بصيرا بهذا المعنى.
قال الإمام يحيى ـ عليهالسلام ـ : إن الخلاف هاهنا فرع على الخلاف في كونه مدركا ، فمن ذهب إلى أن كونه مدركا أمر زائد على كونه حيا وعالما. قال : السميع البصير هو الذي يصح أن يختص بهذه الصفة عند وجود المدرك.
ومن ذهب إلى أن كونه مدركا ليس أمرا زائدا على كونه عالما قال : إن كونه سميعا بصيرا مدركا ليس إلا أوصافا للمبالغة في كونه تعالى عالما من غير أمر زائد كقولنا عالم وعليم ، انتهى كلامه.
والذي عليه جمهور أئمتنا والبغدادية أن المرجع بمدرك في حقه تعالى إلى أنه عالم.
__________________
(١) هم أحد فرعي المعتزلة ، وقد كانوا حتى عام ٢٥٥ ه مجموعة واحدة ، إلا أنه بعد وفاة الجاحظ في التاريخ الآنف انقسموا إلى فرعين : بغدادية وبصرية ، ومن أهم أعلام البغدادية : بشر بن المعتمر وثمامة بن الأشرس وأبي الحسين الخياط ، ومما يتميز به البغدادية عن البصرية هو ميلهم إلى التشيع.