(المسألة السادسة عشرة)
أنّ الله تعالى يريد الطاعات ولا يريد الظلم وسائر القبائح
واعلم : أن عادات المصنفين في علم الكلام تختلف في ذكر إرادة الله وكراهته وما يريده وما يكرهه ، فمنهم من يذكر جميع ذلك في باب التوحيد ؛ نظرا إلى أن كونه تعالى مريدا أو كارها من صفاته الثابتة وأحواله التي تستحقها ذاته ، وذكر ما يريده وما يكرهه من فروع ذلك ولواحقه.
ومنهم من يذكر ذلك جميعه في باب العدل نظرا إلى أن مقتضى العدل والحكمة أن يريد الطاعات ويكره المعاصي ، وأن خلاف ذلك ينافي الحكمة ، وإذا عرفت ذلك فقد ذهب أهل العدل إلى أن الله تعالى مريد لجميع أفعاله ما خلى الإرادة والكراهة ، وأنه تعالى مريد لجميع الطاعات من أفعالنا ما حدث منها وما لم يحدث ، و (أنه لا يريد الظلم ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد).
وذهب سائر فرق المجبرة من الأشعرية والكلابية والنجارية إلى أن الله تعالى مريد لجميع ما حدث من الكائنات ، طاعة كان أو معصية ، وأنه لا كائن في عالمه إلا وهو متعلق بإرادته ، وما لم يحدث منها فإنه لا يريده طاعة كان أو معصية ، (والدليل على ذلك) الذي ذهب إليه أهل العدل (أن الرضى والمحبة يرجعان إلى الإرادة) ، فإذا قد قام الدليل على عدم الرضى ، وعدم المحبة للقبيح كان غير مريد لهما ، وبيانه أن الرضى والمحبة من جنس الإرادة وإن كانا لنوعين مخصوصين منها فالرضى اسم للإرادة المتقدمة المتعلقة بفعل الغير بشرط وقوع ذلك الفعل ، والمحبة اسم للإرادة التي تطابق الداعي وقد يخلق الله فينا إرادة بما لا داعي لنا إليه كدخول النار فإنه يسمى إرادة ولا يسمى محبة.
فقول الشارح المحقق بترادفهما فيه ما فيه ، (والذي يدل على ذلك) الذي ذهبنا إليه من العقل (أن إرادة القبيح قبيحة ، والله تعالى لا يفعل القبيح) والعلم بذلك