ضروري ، (وهو مما لا خلاف فيه) في الشاهد عند زوال اللبس ووجوه الشبه ، (ولهذا أن العقلاء يذمون من أراد القبيح كما يذمون من فعله ، وتسقط منزلة المريد للقبيح كما تسقط منزلة من فعله) ، وما ذاك إلا لكونه قبيحا ولا وجه لقبحه إلا كونه إرادة للقبيح ، لأنا عند العلم بذلك نعلم قبحه وإن جهلنا كل أمر ، وعند الجهل بذلك لا نعلم قبحه.
ولنا على ذلك أيضا أن الله تعالى لو كان مريدا للمعاصي لكان الفاعل لها مطيعا ؛ لأن من فعل ما أراده المطاع وصفه أهل اللغة بأنه مطيع ، وقولهم بل المطيع من فعل ما أمر به المطاع غير مسلم ؛ لأن العبد يوصف بأنه مطيع لسيده وإن لم يصدر منه أمر حيث فعل مراده ، وإن سلمنا فلا ينجيهم ؛ لأن الأمر لا يكون أمرا إلا بالإرادة.
(و) أما الدليل على ذلك من السمع : فإنه (قد) جاء السمع بذلك حيث (قال تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] وقال تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١](وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)) [البقرة : ٢٠٥] ونحو : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] أي ما يؤدي إلى اليسر من الطاعة ، ولا يريد بكم العسر وهو ما يؤدي إلى العسر من المعصية ، هكذا فسره بعضهم.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما رواه مسلم : «إن الله يقول للعبد العاصي إذا جاء يوم القيامة أردت منك أيسر من ذلك» فصرح بأنه أراد منه الطاعات التي لم يفعلها ، وقوله تعالى :
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] وهذه لام الغرض بلا شبهة ، والغرض والإرادة واحدة في الأغلب بلا خلاف ، وقوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] إلى غير ذلك من الآيات.
وأما ما تعلق به المخالف فإنه تعلق بشبهتين من قبل العقل فقالوا : الإرادة مطابقة للعلم ، فما لا يعلم الله وقوعه لا يصح أن يريده.
والجواب : أن هذه دعوى محض ومحل النزاع ، وأيضا فكيف يصح ذلك عندهم أن