(المسألة الثالثة : أن الله سبحانه عالم)
قال القرشي : حقيقة العالم : هو المختص بصفة ؛ لكونه عليها لمكانها يصح منه الإحكام تحقيقا أو تقديرا ، وزاد غيره إذا لم يكن ثم مانع ، ولا ما يجري مجراه ، فقوله : المختص بصفة جنس الحد ، وقوله لمكانها : يعني لاختصاصه بها ، وقوله : يصح منه الإحكام ، أي يصح منه الفعل المحكم ، وهو فصل يخرج غير المحدود ، ومعنى الإحكام : إيجاد فعل عقيب فعل ، أو مع فعل على وجه لا يتأتى من كل قادر ابتداء ، والمحكم (بكسر الكاف) : هو المرتب لذلك ، والمحكم (بفتح الكاف) : هو الفعل المرتب ، وقوله : في الحد أو تقديرا ، أراد به ما لا يكون مقدورا كفعل الغير ، أو يكون مقدورا لكن لا يصح إحكامه كالفعل الواحد ، فإن ما هذا حاله يصح إحكامه تقديرا بمعنى أنه لو كان مقدورا ، ومما يصح ترتيبه لأحكمناه ، والمراد بالمانع : الضد ، كأن يريد أحدنا كتابة فيمسك الغير يده ، فيفعل من الأكوان ضد ما يريد الكاتب فعله ، والذي يجري مجراه عدم الآلات كعدم القلم ، وقد أورد على هذا الحد أسئلة وأجيب عنها.
وقال أبو الحسين وابن الملاحمي : العالم : هو المتبين لأمر من الأمور تبينا يمتنع معه في نفسه تجويز خلافه. انتهى.
واعترضه القرشي ، وقال ابن حابس (١) رحمهالله : هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييز كل منها بما يميزه ، أو من أدرك الأشياء إدراك تمييز وإن لم يقدر على فعل محكم.
والقول بأنه تعالى عالم هو قول من يقر بالصانع المختار (والدليل على ذلك أن الأفعال المحكمة قد صحت منه ابتداء) والمراد وجودها منه تعالى على سبيل الصحة
__________________
(١) هذا الذي ذكره ابن حابس هو لفظ الأساس للإمام القاسم بن محمد ـ عليهالسلام ـ.