(المسألة الثالثة عشرة : أنه لا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي من قضاء الله وقدره)
والقضاء في اللغة : بمعنى الخلق نحو : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت : ١٢] وبمعنى الأمر نحو : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] وبمعنى الإعلام نحو : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) [الإسراء : ٤] وبمعنى الفراغ نحو : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) [القصص : ٢٩].
وأما القدر فلم يرد إلا بمعنى الكتابة والعلم نحو قوله :
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر |
|
في الصحف الأولى التي كان سطر |
أمرك هذا فاجتنب (منه) (١) التبر .. أي الهلاك. أي علم وكتب.
ثم إن أهل القبلة اتفقوا على إثبات القضاء والقدر في جميع أفعال العباد بمعنى العلم والكتابة ، واتفقوا على نفيه بمعنى الأمر بكل أفعال العباد ، واختلفوا في هل قضاء أفعال العباد وقدرها بمعنى خلقها ، فأنكره أهل العدل ومنعوا إطلاق القول بأن أفعال العباد بقضاء الله وقدره ، ولقولهم بثبوته بمعنى العلم والكتابة ، ومنعوا القول أيضا من إطلاق نفي كونها بقضاء الله وقدره.
وأما المجبرة فلإثباتهم معنى الخلق أجازوا إطلاق القول بأنه بقضائه وقدره ، (والدليل على ذلك) هو أنه لا يصح إطلاق القول : (أن إطلاقه يوهم المعنى الفاسد ، وهو أنه تعالى خلقها) كما يقوله المجبرة ، (وذلك لا يجوز ؛ لأنا قد بينا) بالدليل القاطع فيما تقدم من مسألة خلق الأفعال (أن أفعالهم منهم لا منه تعالى).
وأيضا فقد وقع الإجماع على قبح الرضى بالمعاصي وأخبر الله عن نفسه أنه لا
__________________
(١) لفظة (منه) غير موجودة في الأصل ، وهي ثابتة في غير هذا الكتاب كالينابيع والأساس وغيرهما ، والبيت للعجاج ، وهو عبد الله بن روبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي ، العجاج شاعر راجز مجيد ولد في الجاهلية وقال الشعر فيها ثم أسلم ، توفي نحو سنة ٩٠ ه.