(المسألة الرابعة عشرة : أنّ الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون)
وهذا قول الأكثر ، واتفق أهل الجبر إلا الغزالي (١) على جوازه ، وليس وجه الامتناع عنده الوجه الذي تعلل به العدلية وهو قبحه ، وأن الله تعالى لا يفعل القبيح ؛ لأن قاعدته نفي التقبيح العقلي ، بل علل بأن الطلب ممن لا يتأتى منه المطلوب محال كما يستحيل طلب الحركة من الشجرة ، ووافقونا إلّا الأشعري وأتباعه على أنه ممنوع سمعا ثم اختلفوا في صحة تكليف ما لا يعلم والعاجز ، فمنعه محققوهم وأجازه الباقون مع اتفاق الجميع على منع تكليف الجماد.
واعلم : أنه لا محصول لشيء من هذا الخلاف ؛ لأنهم متفقون على أن الله تعالى خالق لجميع الأفعال ، وأنه لا يوجد شيء إلا بقدرته ، فلا بد أن يكون التكليف بالأفعال تكليفا لما لا يطاق ولا ينجيهم من ذلك قولهم : إن للمؤمن قدرة على الإيمان ، وللكافر قدرة على الكفر ؛ لأنه لا معنى لذلك إلا أن الله أوجد الفعل عندها على ما يقولون ، (والدليل على ذلك) الذي ذهبنا إليه أن تكليف ما لا يطاق قبيح مع أنه معلوم قبحه على الجملة ضرورة لا يختلف فيه أهل العدل ، وإنما اختلفوا في العلم بقبحه تفصيلا وفي وجه قبحه ، وفي حق الله تعالى ، فالشيخان : أبو الحسين ومحمود ابن الملاحمي طردا القضية وقالا : كل ذلك معلوم بالضرورة ، قيل لهما : لو كان ذلك ضروريا لم يخالف المجبرة؟ فأجابا : بأنهم صنفان : عوام وعلماء ، فالعلماء منهم قلة فيجوز منهم التواطؤ على إنكار الضرورة لأغراض دنيوية ، والعوام هم السواد منهم ومن غيرهم ، وهم أتباع للناعق.
والذي عليه جمهور العدلية أنه لا يعلم قبح تكليف ما لا يطاق مفصلا وفي حق الله
__________________
(١) قال الغزالي في كتابه المنخول من تعليقات الأصول (ص ٢٤ تحقيق محمد حسن هيتو) : المختار عندنا استحالة تكليف ما لا يطاق ، قال : والدليل على استحالته أن الأمر طلب يتعلق بمطلوب كالعلم يتعلق بمعلوم ، فلا يكون مطلوبا ويستحيل طلبه إذ لا يعقل في نفسه. ا. ه.