(المسألة الثامنة : أنّ الله تعالى غني)
وقد عدّها كثير من الأصوليين من صفات النفي ، (وحقيقة الغني) في اللغة : من استغنى بما في يده عما في أيدي الناس ومنه : «القناعة رأس الغنى».
وفي اصطلاح الفقهاء : هو من ملك النصاب أو ما قيمته نصاب ، وقيل : من ملك الكفاية.
وأما في اصطلاح المتكلمين : فالغني : (هو الحي الذي ليس بمحتاج) هذه الحقيقة لا تثبت إلا في حق الله تعالى ، فأما من عداه من الأحياء فهم محتاجون إليه تعالى ، بل يحتاج بعضهم إلى بعض ، فلا بد من اعتبار الطرفين في هذه الحقيقة كونه حيا ، إذ لو لم يكن حيا لم يوصف بالغنى كالجماد والأعراض ، وكونه غير محتاج إذ لو احتاج إلى شيء لم يكن غنيا.
واعلم : أنه لا خلاف بين أهل الإسلام ومن أقر بالصانع في أنه تعالى غني إلا فرقة من اليهود حكى الله عنهم نسبة الحاجة إليه حيث قال : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١] وقد قيل : إن القائلين بذلك لم يقولوه عن اعتقاد ، وإنما أوردوه على جهة الإلزام للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والتهكم بما جاء به من قوله :
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥] (والدليل على ذلك) القول الصحيح (أن الحاجة) الاصطلاحية التي هي الدواعي والصوارف ، وهي ما يدعوا إلى جلب نفع له ، أو يصرفه عن جلب ضرر إليه ، والداعي هو ما يرجح وجود الفعل على عدمه من غير تأثير ، والصارف هو ما يرجح عدم الفعل على وجوده من غير تأثير ، فهذه (لا تجوز إلا على من جازت عليه الشهوة والنفار) ؛ وذلك لأن النفع والضرر مأخوذ في تلك الحاجة (١) ، والمنفعة هي اللذة والسرور ، أو ما أدى إليهما أو إلى
__________________
(١) هكذا في الأصل ولعل العبارة (مأخوذ في حد الحاجة) ا. ه.