(المسألة الثانية والعشرون)
أنّه يجب على المكلف أن يعلم (أن من توعده الله بالنار من الكفار) فإنه وعيد مقطوع به ، و (إذا مات مصرا على كفره غير تائب منه فإنه صائر إلى النار ومخلد فيها خلودا دائما) ، وهذا مجمع عليه ، إلا ما يحكى عن مقاتل (١) وبعض الخراسانية ، وبعض الكرامية ، فذهبوا إلى أن المشرك لا يعاقب ، وأنه لا معنى للشرك لكنهم يسترون هذا المذهب.
قال الإمام عز الدين ـ عادت بركاته ـ : لا ينبغي أن يكون هذا مذهبا لأحد من المسلمين ، فإنه رد لما علم من ضرورة الدين ، ولعل الرواية عن مقاتل غير صحيحة ، وكيف يقول عاقل ممن يؤمن بالله أنه لا معنى للشرك ، وهذا مقاتل قال فيه ابن خلكان (٢) : كان إماما في التفسير ، انتهى.
وقال الشافعي (٣) ـ رحمهالله ـ : الناس عيال على مقاتل في التفسير ، انتهى.
(والدليل على ذلك) المذهب الصحيح مع كونه معلوما من ضرورة الدين ما يعلم ضرورة من (أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يدين بذلك ويخبر به) ، وتوعّده صلىاللهعليهوآلهوسلم الكفار
__________________
(١) مقاتل بن سليمان البلخي مفسر مشهور توفي سنة ١٥٠ ، وقيل : بعد ذلك ، راجع ميزان الاعتدال للذهبي (ج / ٣ / ص ١٩٦) من الطبعة المصرية.
(٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي ، مؤرخ وأديب له من المؤلفات : وفيات الأعيان ، وأنباء أبناء الزمان مطبوع ، وهو من أشهر كتب التراجم ، ولد في أربيل عام ٦٠٨ ه وانتقل إلى مصر فأقام فيها مدة ، وتولى نيابة قضائها ، كما تولى قضاء الشام مرتين ، وعزل عنها مرتين ، وولي التدريس في كثير من مدارس دمشق ، وتوفي فيها عام ٦٨١ ه فدفن بسفح قاسيون.
(٣) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي أبو عبد الله ، شهرته معروفة ، وعلومه موصوفة ، وقد صنف فيه الزمخشري كتابا وغيره ، قال أبو عبيدة : ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي ، أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ، قالوا : وهو أول من صنف في أصول الفقه واستنبطه ، وأما تشيعه فظاهر ، وهو أحد دعاة الإمام يحيى بن عبد الله ، وامتحن بسبب ذلك ، وله أشعار تدل على تشيعه ، ولد في اليوم الذي توفي فيه أبو حنيفة ، وتوفي بمصر آخر يوم من رجب سنة ٢٠٤ ه ودفن بالقرافة الصغرى. في مصر.