(المسألة السابعة عشرة في الآلام)
واعلم : أنّ الألم جنس من الأعراض متميز عن غيره راجع إلى النفي (١) ، واللذة من جنسه ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بمقارنة الشهوة أو النفرة ، فما قارنته الشهوة فلذة ، وما قارنته النفرة فألم ، ودليل كونهما جنسا واحدا أن الواحد منا قد يتألم بما يلتذ به ويلتذ بما يتألم به كالحك وغيره.
وحقيقة الألم : المعنى المدرك بمحل الحياة فيه مع النفرة ، فقولنا : بمحل الحياة فيه قيد يمتاز به عن سائر المدركات ؛ لأن سائرها يدرك بمحل الحياة في غيره ، فلهذا كان فصلا.
وأما الغم : فإنه اعتقاد الحي أو ظنه بأن عليه أو على من يحب في فعل الغير فوت نفع أو جلب ضرر في الحال أو في المستقبل.
واعلم : أن الآلام مضرة عاجلة ووجوه حسنها خفية غير ظاهرة ، فلذلك ضل كثير من الناس حتى كان ذلك شبهة في إثبات ثان مع الله تعالى وفي جواز كل قبيح على الله تعالى.
وفي التعطيل عند ابن الراوندي (٢) حيث رأى أهل الفضل والعلم مبتلين بمقاسات
__________________
(١) إشارة إلى مذهب أبي إسحاق بن عياش أن مرجع الألم إلى النفي ، وهو خروج الجسم عن حد الاعتدال ، تمت.
(٢) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي من أهل الطبقة الثامنة من المعتزلة ، ألحد في الدين وتزندق ، وصنف كتبا في الإلحاد ، وصنف لليهود والنصارى والثنوية وأهل التعطيل ، وصنف فضائح المعتزلة ، ورد عليه أبو الحسين الخياط بكتاب الانتصار ، والبيتان أكبر دليل على سخافته ، ويستشهد بها البيانيون في باب المسند إليه أن يكون باسم الإشارة ، لكمال العناية بتمييزه أكمل تمييز بحكم بديع فقوله : (هذا الذي) كان القياس فيه الإضمار بأن يقال : هو فعدل إلى اسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه بأن هذا الشيء المتميز المتعين هو الذي له الحكم العجيب ، وهو جعل الأوهام حائرة والعالم النحرير زنديقا ، فالحكم البديع هو الذي أسند للمسند إليه المعبر عنه باسم الإشارة ، ا. ه.