الفقر والأمراض والمصائب ، وأهل الجهالة والوضاعة بالعكس حتى أنشد البيتين المعروفين :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه |
|
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا |
هذا الذي ترك الأوهام حائرة |
|
وصيّر العالم النحرير زنديقا |
وكذلك أبو عيسى الوراق (١) فإن ذبح البهائم صار له شبهة حتى صنف كتابا سماه النوح على البهائم ، وكان السبب في ذلك نفار الطبع عن هذه الآلام وميله إلى اللذة.
(واعلم أن جميع الآلام والنقائص) إذا كانت من أفعالنا ، فإنها تحسن إذا كانت لجلب نفع أو دفع ضرر أعظم ، أو استحقاق ، أو لظن أحد الوجهين المتقدمين ، وهذا لا شبهة فيه ، فإن كل عاقل يعلم حسن تحمل المشاق في الأسفار ومعالي الأمور ومشاق التعليم طلبا للمنافع سواء كانت معلومة أو مظنونة ، وكذلك يستحسنون الفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة ونحو ذلك طلبا لدفع مضار هي أعظم منها سواء كان اندفاعها معلوما أو مظنونا.
وأما الظن لاستحقاق الألم فقيل لا يحسن إنزاله بالظن ؛ لأن المنزل له يكون مقدما على ما لا يأمن من كونه ظلما ، وقال أبو هاشم : يحسن واحتج بإنزال الحدود عند الشهادة التي لا تفيد إلا الظن ، وأجيب بأن ذلك ورد به الشرع لمصلحة شرعية حتى لو تركنا والعقل لما استحسنه.
وأما الآلام والنقائص (النازلة بالأطفال والمجانين ، وسائر الممتحنين اللاتي من الله تعالى) ، وكذلك المضار اللاتي لا تتوقف على اختيارنا كفساد الثمار واجتياحها بالبرد والبرد ، فالذي عليه أهل الإسلام وكثير من الخارجين عنه أن ذلك فعل الله تعالى
__________________
(١) أبو عيسى الوراق : هو محمد بن هارون ، ذكر المسعودي في المروج : أن له كتابا اسمه المجالس ، ونقل سنة موته وهي ٢٤٧ ه ونقلوا عن أبي علي الجبائي أن السلطان طلب ابن الراوندي وأبا عيسى الوراق ، فأما أبو عيسى فحبس حتى مات ، وأما ابن الراوندي فهرب إلى ابن لاوى اليهودي ا. ه.