(ولا بدّ فيها) من أحد وجهين : إما الاستحقاق ، ولا شبهة في ذلك كعقاب أهل النار ونحوه ، وإما لمجموع (العوض) للمؤلم (والاعتبار) ، ولا يكفي في حسن الألم أحد الأمرين : إما العوض ، أو الاعتبار.
وقد ذهب عبّاد (١) إلى أن الاعتبار كاف في حسن الألم ، فإن كان كلامه على عمومه بحيث أنه يقول : يحسن منه تعالى إيلام الأطفال ونحوهم ؛ لمجرد أن يحصل بذلك اعتبار للمكلفين ، أو بعضهم ، أو إيلام مكلف لمجرد اعتبار يحصل لغيره فقد أبعد في مقالته (والدليل على) بطلان (ذلك) أنها (لو خلت عن العوض) وكانت كما قال (لكانت ظلما ؛ لأنه يكون ضررا عاريا عن جلب نفع للمؤلم ، أو دفع ضرر عنه أو استحقاق ، وهذه هي صفة الظلم ، والظلم قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح).
وأيضا فلو أجزنا ذلك لأجزنا جميع أنواع الظلم ، فإنه لا يكاد يخلو شيء منها عن نفع لغير المظلوم ، وإن أراد أن الألم يحسن لمجرد اعتبار يحصل للمؤلم.
قال الإمام عز الدين بن الحسن ـ عادت بركاته ـ : وهو اللائق بعلمه وفهمه ، فمذهبه في غاية القوة ، وأي نفع للمكلف أعظم من تأدية الألم هذا إلى كونه من أهل الجنة والسعادة الأبدية ، انتهى.
(و) قال أبو علي (٢) في القديم : إن العوض كاف في حسن الآلام ، قلنا له : (لو خلت الآلام من الاعتبار لكانت عبثا ؛ لأن العبث هو الفعل الواقع من العالم به
__________________
(١) عباد بن سليمان : هو الصيمري.
(٢) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المتكلم ، أخذ العلم عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله الشحام البصري ، وله مقالات مشهورة في الأولين ، قال الحاكم الجشمي : هو الذي سهل علم الكلام وذلّله ، وله شرح على مسند ابن أبي شيبة وتفسير القرآن مائة جزء (مفقود) قيل : جملة مصنفاته مائة ألف ورقة وخمسين ألف ورقة ، الورقة نصف كراس ، وقرأ عليه أبو الحسن الأشعري وخالفه ، وجرت بينهما مناظرات طويلة ، ولأبي علي عناية في الرد على الفلاسفة والملحدة وتقرير العدل والتوحيد ، ولد سنة ٢٣٥ ه وتوفي في شعبان سنة ٣٠٢ ه وذكر محقق الأساس أنه توفي سنة ٣٠٣ ه.