الضرورة على القدرة على خلاف المعلوم لأمكن ، فإن أحدنا يعلم من نفسه أنه قادر على إلقاء خاتمه في البحر ، وعلى أن يسعى في السوق ويقتل نفسه فحينئذ لا حجة لهم ، (فثبت بذلك) الذي قررنا (أن الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يقدرون عليه) وبطل ما قاله المخالف.
(المسألة الخامسة عشرة : في معنى أن الله تعالى عدل حكيم)
واعلم : أن الحكمة هي : كل فعل حسن لفاعله فيه غرض صحيح هذا إذا رجع بهذا الوصف إلى الفعل وهو الغرض ، فإن رجع به إلى الذات فالحكمة بمعنى العلم ، وعليه حمل قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] وقد اتفق أهل الإسلام على أنه تعالى يوصف بأنه حكيم ، ثم اختلفوا في المعني فقال أهل العدل : لا يفعل الله تعالى الفعل إلا لغرض (فلا يثيب أحدا إلا بعمله ولا يعاقب أحدا إلا بذنبه) ، وقالت المجبرة : يجوز أن يفعل لا لغرض ، بل يجوز أن يعذب الأنبياء ويثيب الأشقياء.
قال الإمام عز الدين : وهذا هو الظاهر من مذهبهم والذي تقضي به نصوصهم ، وصرح به الرازي في نهايته ، واحتج لصحته بأن الغرض في فعل الله تعالى إذا كان عائدا إلى غيره ، فهل له في انتفاع ذلك الغير غرض يعود عليه فيلزم صحة الحاجة عليه ، أو لا غرض فيه يعود عليه فيلزم كون وجود ذلك الفعل وعدمه بالنظر إليه على سواء ، ومع ذلك فلا معنى لكونه غرضا مرجحا للإيجاد.
ويمكن الجواب : بأن حاصل دليلك هذا إنكار أن يكون النفع العائد إلى الغير غرضا وهو نفس المتنازع فيه ، فإنا نقول : أنه غرض صحيح ، وأنه يعلم بالعقل حصول الغرض في إرشاد ضال عن الطريق ، وإطعام جائع قد أشرف على التلف ، وإن فرضنا عدم العلم بحصول نفع في ذلك يعود إلى المرشد والمطعم بأن لا يخطر بباله ثناء ولا ثواب ، أو