على شرف له ومجد فاق به أقرانه بلا خلاف بين الأمّة ، فلمّا أضاف عليّا عليهالسلام إلى نفسه بقوله : «عليّ منّي» (١) سما به عن تلك المرتبة وتجاوز به عن تلك المنزلة ، ولو اقتصر على ذلك كانت رتبته متعالية عن رتبة سلمان في هذه الرواية مع قطع النظر عن غيرها ، فلمّا قال صلىاللهعليهوآله : «وأنا من عليّ» فجعل نفسه الشريفة من عليّ عليهالسلام ، دل على أنّ كلّ منهما أصل للآخر وكلاهما من نور واحد ؛ كما تواتر ذلك عنه في صحاح الفريقين ، وارتقى به عن أقصى ما يطمعه ويتمنّاه المرء في معارج الفضل والشرف والمجد والعلى ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ من يستحقّ الخلافة والإمامة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، لأنّه هو الشاهد من رسول الله ، التالي لكتاب الله ، التابع لرسول الله صلىاللهعليهوآله (٢) ، الّذي هو بعده بوضع الله ، ولا نعني بالخليفة والإمام إلّا هذا ، مضافا إلى ما جاء في الروايات من طريق أصحابنا (٣) أنّ الآية كانت في النزول هكذا (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) إماما ورحمة (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ؛ فيكون إماما ورحمة حالا من الشاهد المذكور ، فيكون نصّا في إمامته.
وإنّما غيّره المحرّفون لكتاب الله (٤) ، ومعناه (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وهو القرآن «ويتلوه» أي يتلو هذا القرآن عليكم حقّ تلاوته «شاهد منه» أي من رسول الله ، بناء على أخذ «يتلوه» من التلاوة وارجاع ضمير المفعول إلى البيّنة الّتي هي القرآن ، أو يتعقّب النبيّ صلىاللهعليهوآله شاهد منه بناء على أخذ «يتلوه» من التلو
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ؛ نظم درر السمطين ٧٩.
(٢) الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٧٤ ؛ ينابيع المودّة ١ : ٣٠٩ و ٣ : ٣٦٤.
(٣) نهج الإيمان ٥٦٣ ـ ٥٦٥ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ٢٣٢.
(٤) يقصد أنّ هؤلاء حذفوا أسباب النزول والتفسير الذي كان موجودا في مصحف أمير المؤمنين عليهالسلام ، من أجل أن يكون مصداق الآيات مبهما غير واضح.