وارجاع الضمير إلى النبيّ ، كما في «منه». وهذا أنسب بتذكير ضمير المفعول في «يتلوه» ، وعليه ، فلا يمكن حمل الشاهد منه على لسانه الشريف ، والّذي يتعقّب النبيّ صلىاللهعليهوآله يقوم مقامه ، وفي الكلام حذف تقديره (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ، كمن كان يريد الحياة الدّنيا ، كيف وبينهما بون بعيد.
فائدة
في إيراد قصّة ردّ أبي بكر من قراءة آيات البراءة ، لمناسبة المقام من جهة قول جبرئيل «لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك».
قال علماء السّير : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر في سنة تسع (١) من الهجرة ليحجّ بالنّاس ، وقال له : إنّ المشركين يحضرون الموسم ويطوفون بالبيت عراة ، ولا أحبّ أن أحجّ حتّى لا يكون ذلك ؛ وأعطاه أربعين آية صدر «براءة» ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام وقال أدرك أبا بكر فخذ منه الآيات واقرأها على النّاس ، ودفع إليه ناقته العضباء ؛ فأدرك أبا بكر بذي الحليفة (٢) فأخذ منه الآيات ؛ فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، هل نزل فيّ شيء (٣)؟ فقال : لا ، ولكن لا يبلغ عنّي إلّا رجل منّي (٤).
وأخرج أحمد معناه (٥) في الفضائل ، وفيه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : جاءني جبرئيل
__________________
(١) تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٨٢ ، ٣٨٣.
(٢) ذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن مرّوا بالمدينة في طريقهم إلى مكّة. معجم البلدان ٢ : ١١١ و ٢ : ٢٩٥.
(٣) ولا يخفى أنّ هنا السؤال إنّما كان منه لخوفه ظهور ما في صدره. (منه).
(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣ ، و ٣ : ٢١٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٣٢ ـ ٣٤٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٨٩ ؛ الدر المنثور ٣ : ٢٠٩.
(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، ١٥١.