عنه صلىاللهعليهوآله ، فأعطاه سؤله ، وهذا يفيد أنّ أمر الخلافة إنّما هو إلى الله لا إلى الرعيّة ؛ كما يقوله الملحدون.
وأنّه جعله وزيرا له ، والوزير هو الّذي عليه ما على الملك من ثقل تحمّل السياسة المدنيّة على القوانين العقليّة ، والمراد هنا هو الّذي يحتمل عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ما كان عليه من تبليغ الرّسالة والسياسات الشرعيّة والنواميس الإلهيّة ، وهو المعنى للإمامة والخليفة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قال بعض المحقّقين : تفويض هذا الأمر إلى الله تعالى يدلّ على أنّه أمر تكويني لا تكليفي (١) ، ووزارة النبيّ صلىاللهعليهوآله بحسب التكوين ، فلا يمكن عزله ، لا جرم فوّض الأمر إلى العالم بالسرائر والعواقب في حياته ووفاته ، وأصل الآية قول موسى عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) الآية ، يدلّ على أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الله تعالى ليس لأحد ـ ولو مثل موسى بن عمران ـ صنع فيه ؛ فقول المخالفين «أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الرعيّة ، فإذا اختار واحدا كأبي بكر كان خليفة» شطط من القول وزور مخالف لكتاب الله وسنن الأنبياء.
وأمّا قوله تعالى في المشاورة : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢) ، فإنّه لا يدلّ على قبول قولهم ، ولذا لم يقل فإذا رأوا شيئا خيرا فوافقهم. كيف وهو أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بمتابعة أمّته ، فيكون هو رعيّتهم وهم مرسلون إليه لا أنّه أرسل إليهم ، وقد قال الله تعالى (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣) ، بل الغرض في الأمر بالمشاورة إنّما هو
__________________
(١) ـ أسرار الإمامة ١٣٥ ـ ١٤٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٨ ـ ١٧١.
(٢) ـ آل عمران : ١٥٩.
والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم «شرت العسل» إذا اتّخذته من موضعه واستخرجته منه. (المفردات للراغب ٢٧٠).
(٣) ـ الأحزاب : ٣٦.