ثبوت تأويله إلى يومنا هذا وفي أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا بدّ من ظهوره في يوم ما ، ولا يناسب إلّا مذهب الشيعة من ثبوت قيام القائم والرّجعة (١) ، فتدبّر.
وأمّا العامّة (٢) : فقد روى منهم الحافظ الشيرازيّ عن ابن مسعود ـ وهو من
__________________
(١) ـ أجمع علماء الشيعة على الاعتقاد بالرّجعة ، وهي من مسلّمات عقائدهم. والرّجعة بمعنى عود جماعة قليلة إلى الحياة الدنيويّة قبل يوم القيامة ، ثمّ موتهم وحشرهم مجدّدا يوم القيامة ، وليست [الرجعة] شيئا يضادّ أصول الإسلام. وكيف لا تكون كذلك وقد أخبر سبحانه عزوجل عن رجوع جماعة إلى الحياة الدنيويّة ، نظير : إحياء جماعة من بني إسرائيل (البقرة : ٥٥ : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).) ، وإحياء قتيل بني إسرائيل (البقرة ٧٣ : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ ...)) ، وموت ألوف من الناس وبعثهم من جديد (البقرة ٢٤٣ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ...)) ، وبعث عزير بعد مائة عام من موته (البقرة ٢٥٩ : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ...)) ، وإحياء الموتى على يد عيسى عليهالسلام (آل عمران ٤٩ : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ ...)). فلو كان الاعتقاد برجوع بعض الناس إلى الدّنيا قبل القيامة أمرا محالا ، فما معنى هذه الآيات الصريحة في رجوع جماعة إليها؟
وتعتقد الشيعة بالرجعة في حقّ جماعة خاصّة ، وأمّا خصوصيّاتها ، فلم يحدّث عنها القرآن الكريم ، وجاء التفصيل عنها في السنّة ، وقد سأل المأمون العبّاسي الإمام الرّضا عليهالسلام عن الرّجعة ، فأجابه بقوله : إنّها حقّ قد كانت في الأمم السّالفة ونطق بها القرآن ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يكون في هذه الأمّة كلّ ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة (أسرار الإمامة ٩٨ ؛ الرسائل العشر ١٢٧ ؛ وانظر مؤدّاه في سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ٤١٨ ؛ إعلام الورى ٤٤٥ ؛ احقاق الحقّ ٤ : ٨٤.)
وأمّا من هم الراجعون؟ وما هو الهدف من إحيائهم؟ فيرجع فيه إلى الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع.
واجمال الجواب عن الأوّل : أنّ الراجعين لفيف من المؤمنين ولفيف من الظالمين ، وقال المفيد ناقلا عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام : إنّما يرجع إلى الدّنيا عند قيام القائم عليهالسلام من محض الإيمان أو محض الكفر محضا ، وأمّا ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب (تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤٠.). وقال أيضا في المسائل السّرويّة ٣٥ : والرّجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون ما سوى هذين الفريقين.
واجمال الجواب عن الثاني : إنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف قوما ممّن كان تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٩١ ؛ مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٧ ؛ بحار الأنوار ٥٣ : ١٣٦ ، ١٣٨.
(٢) ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٦ ؛ تفسير الطبريّ ١٨ : ١٢٢ ؛ تفسير القرطبيّ ١٢ : ٢٩٧ ؛ نهج الإيمان ٣٨٩