أيّها النّاس ألستم تعلمون أنّي أولى بالنّاس من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؛ قالها أربع مرّات (١).
وقال أحمد أيضا (٢) : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، حدّثنا زيد ، عن عديّ بن ثابت ، عن براء بن عازب ، قال : كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في سفر ، فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي فيها الصلاة جامعة ، وكسح (٣) لرسول الله صلىاللهعليهوآله بين شجرتين ، فصلّى بها الظهر ، وأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهمّ انصر من نصره ، واخذل من خذله ، قال ، فقال عمر بن الخطّاب هناك : يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وبالجملة : لا مجال في الارتياب في تواتر حديث (٤) «من كنت مولاه فعليّ مولاه» كما عرفت ، قد توافق فيه روايات الخاصّة والعامّة في الأصول والصّحاح المعتبرة بالأسانيد الكثيرة ، وتلقّاها بالقبول أكابر الفريقين كما عرفت.
وقد أنشأ شعراء الأصحاب في ذلك اليوم قصائد في بيان هذا المطلب للنبيّ ، والشرف لعليّ وولاية الوليّ ، حكاها أعاظم علماء الفريقين مثل الكميت ،
__________________
(١) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٨٦ ح ٩٩٢.
(٢) مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٩.
(٣) كسح : كنس.
(٤) في مكالمات عمرو بن العاص مع معاوية ، حكاه في تذكرة الخواصّ ، عن الواقدي [تذكرة الخواصّ ٨٦] : «أما علمت يا معاوية أنّ أبا الحسن بذل نفسه لله ، وبات على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال له : من كنت مولاه فعليّ مولاه» ـ إلى آخره ـ فلم يقدر معاوية على دفعه بمحضر الجماعة المعاندين من أهل الشام وغيره ، فمن تتبع كتب السّير والحديث والتفسير والقصائد والأشعار وغيرها من كتب المسلمين من الخاصّة والعامّة ، ظهر له أنّه لا يمكن دفع هذا الخبر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأنّ المسلمين تلقّوه بالقبول ، فهو مشهور بين الخاصّ والعامّ ، مذكور على ألسنة النسوان والأطفال والعوامّ في الأقطار والأمصار ، لا يتأمّل [أي لا يتردّد] فيه إلّا بعض من له اللجاج أو في ذهنه الاعوجاج (منه رحمهالله).