قلت : نعم لو لا أن يكون الدّين بالاجتهاد ، كيف يصيب عمرو اخوانه ما أصابوا ، وكيف ينبغي لهم دعوى خلافة النبيّ صلىاللهعليهوآله؟!
والحاصل : إنّ تأويل هذه النصوص من المخالفين ليس إلّا من جهة تأويل قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (١) في حقّهم ، ثمّ قالوا : معنى قوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) إن لم تبلّغ جميعه كأنّك ما بلّغت رسالته ، فما أدّيت شيئا ، لأنّ كتمان بعضها يضيع ما أرى منها ، كترك بعض أركان الصّلاة ، فإنّ غرض الدعوة ينتقض به فكأنّك ما بلّغت شيئا منها ، كقوله تعالى : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (٢) من حيث أنّ كتمان البعض والكلّ سواء في الشناعة واستجلاب العذاب. وما قلنا من أنّ معناه : وإن لم تفعل تبليغ ولاية عليّ عليهالسلام وتنصبه خليفة وإماما وعلما هاديا مستحفظا ، فما بلّغت رسالة ربّك في غيره ، لأنّ الدّين لا يكمل إلّا بنصب الوصيّ المستحفظ ، والنعمة لا تتمّ إلّا بنصب الإمام القيّم ، فإذا لم تنصبه مستحفظا وإماما قيّما على الدّين ، ضاع سائر ما بلّغته من الشرائع ، فكأنّك ما بلّغت رسالة ربّك أصلا لعدم تبليغ الركن الأعظم في تلك الشرائع ، وهو أولى وأنسب وأظهر في المقام ؛ بل ليس إلّا.
وأنت خبير بأنّ ترك البعض إنّما يساوي ترك الكلّ إذا كان ركنا يفوت به الكلّ ، ويكون عقابه عقاب تارك الكلّ ، وليس ترك نصب القيم المستحفظ إلّا ترك الكلّ.
ايراد وافتضاح : قال العضديّ (٣) والاصفهانيّ : لو سلّم كون المولى بمعنى الأولى لم يثبت العموم ، بل يكفي الأولويّة في أمر ما ، لمكان قولنا : كونه في كلام الحكيم يقتضي العموم بعد عدم ترجيح بعض أفراد المطلق ، وإلّا لأهمل التكليف ، سيّما في
__________________
(١) البقرة : ٩٣.
(٢) المائدة : ٣٢.
(٣) شرح المواقف ٨ : ٣٦٢.