لك؟ قال : نعم ، قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنّة ، فقال له آدم : ومن أنت؟ قال : موسى ، قال : أنت موسى نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله ـ عزوجل ـ من وراء حجاب ، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال : نعم ، قال : فما وجدت في كتاب الله ـ عزوجل ـ أنّ ذلك كائن قبل أن أخلق؟ قال : نعم ، قال : فبم تلومني في شيء سبق من الله ـ عزوجل ـ فيه القضاء قبلي» قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فحجّ آدم موسى ـ عليهماالسلام ـ» أخرجه أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني / في كتاب «السنن» عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب (١). رواه ـ أيضا ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن أبيه مرفوعا وموقوفا.
قال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (٢) رحمهالله ـ معناه (٣) الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وأكسابهم وصدورها عن تقدير منه وخلق لها ، خيرها وشرها ، والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر ، يقال : قدرت الشيء وقدّرت ـ خفيفة وثقيلة ـ بمعنى واحد ، والقضاء في هذا معناه الخلق ، كقوله
__________________
(١) سنن أبي داود ، كتاب السنة (١٢ / ٣٠٧ ـ مع العون).
(٢) «معالم السنن» (٤ / ٢٩٧).
(٣) قال ابن القيم : فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه ، وآدم أعرف بربّه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة بسبب خطيئة أبيهم ، فذكر الخطيئة ، تنبيها على سبب المصيبة والمحنة التي نالت الذرية ولهذا قال : أخرجتنا ونفسك من الجنة (وفي لفظ : خيبتنا). فاحتج آدم بالقدر على المصيبة وقال : إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي. والقدر يحتج به في المصائب دون المعايب ؛ أي : أتلومني على مصيبة قدرت عليّ وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة؟ هذا جواب شيخنا رحمهالله» ؛ يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية.
ثم قال : «وقد يتوجه جواب آخر وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع ويضر في موضع ؛ فينفع إذ احتج به بعد وقوعه والتوبة منه وترك معاودته كما فعل آدم ، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع لأنه لا يدفع بالقدر أمرا ولا نهيا ولا ـ