تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (١) أيّ : خلقهن.
قال أبو سليمان : وإنّما حجه آدم ـ عليهماالسلام ـ في دفع اللوم ، إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا ، وقد جاء في الحديث : انظروا إلى الناس كأنّكم عبيد ، ولا تنظروا إليهم كأنّكم أرباب.
فأمّا الحكم الذي تنازعاه فهما في ذلك على السواء ، لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب ، ومن فعل واحدا منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين من مذهب القدر أو الجبر. وفي قول آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أمر قدّر عليّ قبل أن أخلق؟ استقصارا لعلم موسى يقول : إذ قد جعلك الله بالصفة التي أنت بها من الاصطفاء بالرسالات والكلام ، كيف يسعك أن تلومني على القدر المقدور الذي لا مدفع له؟! فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : فحجّ آدم موسى. وحقيقته : أنّه دفع حجة موسى التي (٢) ألزمه بها اللوم ؛ وذلك أنّ الابتداء بالمسألة والاعتراض إنّما كان من موسى ، ولم يكن من آدم إنكارا لما اقترفه من الذنب إنّما عارضه بأمر كان فيه دفع اللوم ، فكان أصوب الرأيين ما ذهب إليه آدم ، فقصه المصطفى صلّى الله عليه [وسلّم] (٣).
__________________
ـ يبطل به شريعة بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة ، يوضحه أن آدم قال لموسى : أتلومني على أن عملت عملا كان مكتوبا عليّ قبل أن أخلق فإنه لم يدفع بالقدر حقا ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به ، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ؛ ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلا محرما أو يترك واجبا ، فيلومه عليه لائم ، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره فيبطل بالاحتجاج به حقا ويرتكب باطلا كما احتج به المصرون على شركهم وعبادة غير الله ؛ فقالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) و (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه ، وأنهم لم يندموا على فعله ولم يعزموا على تركه ولم يقروا بفساده ... ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر ، وإذا كان اللوم واقعا فالاحتجاج بالقدر باطل» اه «شفاء العليل» لابن القيم (ص ١٧ ـ ١٨).
(١) سورة فصلت ، الآية (١٢).
(٢) في الأصل جاء النص هكذا «موسى الذي التي» فحذفنا «الذي» لاستقامة النص بدونها.
(٣) ساقطة من الأصل.