ومنكم ، فإنّي مضح بالجعد بن درهم ، إنّه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، وتعالى الله عمّا يقوله الجعد بن درهم علوا كبيرا ، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر» (١).
لكنّ قوله بالجبر لم يشتهر إلّا عن تلميذه الجهم بن صفوان الذي لم تختلف نهايته العادلة عن شيخه ، إذ انضم إلى الحارث بن سريج التميميّ حين خرج على والي خراسان نصر بن يسار فاتخذه الحارث كاتبا له ، فكان يخطب بدعوته وسيرته فيجذب الناس إليه ، ثمّ إنّه وقع في الأسر لمّا انهزم الحارث أمام سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار فقتله سنة ثمان وعشرين ومائة ـ بمرو ـ بعد أن نشر مقالاته الخبيثة وزرع شرا عظيما (٢).
ولم ينته المطاف حتى جاء أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت ٣٢٤ ه) ـ ومن تبعه ـ وزعم أنّه سينصر السنّة ، ويثبت القدر ، ويرد على أهل البدع فقال : ب «الكسب» وهو يروم مسلكا وسطا بين «القدرية» و «الجبرية» ولم يرد معنى الكسب عند أهل السنّة ولا معناه عند «القدرية» ، فكان كما يصفه العلامة ـ ابن قيم الجوزية ـ «لفظ لا معنى له ولا حاصل تحته» (٣).
وأضحى ما قاله أبو الحسن الأشعري في هذا الباب محلّ سخرية الناس حتى قيل : ثلاثة أشياء لا حقيقة لها ، طفرة النظام ، وأحوال أبي هاشم ، وكسب الأشعري (٤).
الأمر الذي اضطربت معه أقوال اتباعه واختلفت حتى ذهب كل منهم إلى رأي وفرّ إلى قول ؛ لما رأوا ما في هذا القول من التناقض (٥).
__________________
(١) «الرد على الجهمية» للدارميّ (ص ١٧).
(٢) انظر «ميزان الاعتدال» (١ / ٤٢٦) ، و «السير» (٦ / ٢٦) ، و «لسان الميزان» (٢ / ١٤٢).
(٣) «شفاء العليل» (ص ٣١٣) وانظر في مرادهم بالكسب ما سيأتي في المطلب الرابع من مبحث مراتب القدر.
(٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٨ / ١٢٨).
(٥) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٨).