فإذا حصل تصور تلك الماهية ثم إن تلك الماهية لذاتها توجب استلزام ذلك اللازم المتصل به، فحينئذ يلزم من حصول ذلك المتصور ، حصول العلم بكون ذلك التصور مستلزما لذلك اللازم ، ثم يلزم من العمل بحصول ذلك اللازم الثاني العلم بحصول اللازم الثالث. وهلم جرّا إلى آخر المراتب.
فلما كانت التصورات حاضرة كانت لوازمها معلومة ، فيكون لزوم بعضها لبعض معلوما (ويكون منافاة بعضها لبعض معلوما) (١) والأشياء التي لا تكون متلازمة ولا متعاندة تكون هذه الأحوال منها أيضا معلومة. والحاصل : أنه لما (ثبت حصول التصورات، وثبت أن التصورات إما) (٢) علل للملازمات أو للمعاندات أو لانتفاء اللزوم والعناد ، وثبت أن تصور ذات العلة يوجب العلم بلوازمها يثبت أن الكل يصير معلوما. وهذا الطريق أضبط، وعن الإشكالات أبعد.
وهاهنا طريق آخر في تقرير هذا الكلام : وهو أن نقول : لما ثبت أنه فاعل مختار وهو إنما يفعل بواسطة القصد إلى الإيجاد ، فلا بد وأن يحضر عنده تصور معنى الموجود ، لأنه لو لم يعرف أن الموجود ما هو؟ امتنع منه أن يقصد إلى الإيجاد ، وإذا عرف أن الموجود ما هو؟ والموجود من حيث أنه موجود يقبل الانقسام إلى الواجب والممكن ، وجب أن تعرف هذا الانقسام ، وإذا عرفت هذا الانقسام ، فقد عرفت أن الواجب ما هو؟ وأن الممكن ما هو؟ وبهذا الطريق (عرفت كليا ، و) (٣) متى عرفت كليا ، فقد عرفت انقسامه إلى جزئياته ، لما ثبت أن تصور كل ماهية من حيث هي هي ، موجب لانتقال الذهن منها إلى لوازمها ، ثم من تلك اللوازم إلى لوازم تلك اللوازم بالغة ما بلغت. فهذا طريق حسن. يمكن تقويته بالمباحث المنطقية ، المفرعة على أن العلم بالماهية يوجب العلم بلازمه القريب. والله أعلم.
__________________
(١) من (م ، س).
(٢) من (م ، ت).
(٣) من (س).