بالبياض مع الخضرة ، ولو لا أن العين قد تأثرت بتلك الخضرة ، لما حصل هذا الامتزاج ، أما لما تكيفت الحدقة بلون الخضرة ، ثم نظر إلى الجسم الأبيض امتزجت الخضرة الحاصلة في الحدقة بالبياض القائم بذلك الثوب ، فصار المرئي كأنه ملون بلون ممتزج من هذين اللونين.
الثالث : إنا إذا نظرنا إلى الحدقة المقابلة لوجه الانسان رأينا صورة الوجه في تلك الحدقة وذلك يدل على أن صورة المريء انتقشت في الحدقة وارتسمت فيها.
الرابع : إنا إذا نظرنا إلى قرص الشمس وهورها الكامل ، تأثرت الحدقة وضعفت. وإذا داومنا على ذلك النظر حصل في الحدقة كلال وضعف ، وتفرق في أجزائه وذلك يدل على أن الحدقة تتأثر من صورة المرئي.
إذا عرفت هذا فنقول : من الناس من قال : التفرقة الحاصلة بين الحالتين عائدة إلى أن الحدقة تتأثر من المريء حال النظر إليه ، ولم يحصل هذا التأثر في الحالة الثانية.
ومن الناس من قال : إن هذا التأثر حاصل ، ولا نزاع فيه ، ولكن مع ذلك فالإدراك البصري في نفسه حالة مغايرة للإدراك العلمي. والذي يدل عليه وجوه :
الأول : إنا نبصر نصف كرة العالم بالعين ، ومن المعلوم أن صورة نصف كرة العالم يمتنع انطباعها في العين ، لأن العظيم لا ينطبع في الصغير ، فيثبت أن صورة نصف كرة العالم غير منطبعة في العين ، مع أن رؤية نصف كرة العالم حاصلة ، فوجب أن تكون الرؤية مغايرة للانطباع. ثم إن الحالة المسماة بالرؤية ممتازة عن الحالة المسماة بالعلم ، امتيازا معلوما بالضرورة ، فعلمنا أن هذا التفاوت عائد إلى الإدراكين في أنفسهما.
والثاني : إن تأثر العين وانفصاله عن الشيء لا معنى له ، إلا أنه حصلت صورة مساوية لصورة ذلك المريء فيها ، وقبولها لتلك الصورة بعد عدمها ، وحصولها فيها بعد لا حصولها هو المسمى بالتأثر والقبول والتصور. وهذه الحالة