فالمفهوم من القديم الباقي ، أمر مشترك بين هذه الأقسام ، فوجب كونه مغايرا لكل هذه الأقسام.
الثالث : إنا نقول : إن ذات الله تعالى قديمة باقية ، فتكون القضية مفهومة. وإذا قلنا : إن ذات الله (تعالى ذات) (١) لم يفد هذا الكلام شيئا ، ولو لا التغاير بين الذات وبين كونها باقية ، وإلا لقام كل واحد من هاتين القضيتين مقام الأخرى.
فهذه الوجوه الثلاثة ، دالة على أن كونه تعالى قديما باقيا ، صفة.
واحتج المنكرون لكون البقاء صفة زائدة على الذات بوجهين :
الأول : إنه لو كان البقاء صفة قائمة بذات الله تعالى ، لافتقرت الذات إلى تلك الصفة فيلزم أن يكون واجب الوجود لذاته ، واجب الوجود لغيره ، وذلك محال. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : الذات المخصوصة لكونها تلك الذات المخصوصة توجب (الدوام والاستمرار. والمحال إنما يلزم لو أثبتنا شيئا وراء الذات يوجب) (٢) دوام تلك الذات. أما إن قلنا : الذات المخصوصة توجب ذلك الدوام ، لم يلزم منه محال. مع أن على هذا التقدير يكون ذلك الدوام صفة من صفات الذات.
الثاني : إنه لو كان الدوام والاستمرار صفة ، لكانت تلك الصفة أيضا دائمة مستمرة، فيلزم أن يكون دوامها زائدا عليها ، ولزم التسلسل ، وأيضا : فنقول : دوام تلك الصفة إما أن يكون لنفسها ، أو لشيء آخر ، فإن كان دوامها لنفسها ، ودوام تلك الذات لأجل تلك الصفة ، (فحينئذ تكون تلك الصفة واجبة لنفسها ، وتكون الذات واجبة لأجل تلك الصفة) (٣) وما يكون دائما لنفسه يكون أولى بكونه ذاتا مستقلة بنفسها ، مما يكون دوامه بسبب غيره ،
__________________
(١) من (س).
(٢) من (م).
(٣) من (م).